للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس له ثَمَّ رابطةٌ علوية، ولا نصيبٌ من المحبة ولا المحبوبية، فليبكِ على نفسه، ولا يرضَ منها إلا بنصيب من قُرب ربه وأُنْسهِ.

فإذا خَلَصَتْ لله تلك الساعةُ، أمكن إيقاعُ الصلوات الخمس على نمطها من الحضور والخشوع، والهيبة للرب العظيم في السجود والركوع.

فلا ينبغي لنا أن نَبْخَل على أنفسنا في اليوم والليلة من أربع وعشرين ساعةً بساعة واحِدَة لله الواحد القهار، نعبدُه فيها حَقَّ عبادته، ثم نجتهد على إيقاع الفرائض والتهجد على ذلك النهج في رعايته، وذلك طريقٌ لنا جميعًا إن شاء الله تعالى إلى الفوز، فالفقيه إذا لم ينفُذْ في علمه حَصَلَ له الشَّطْرُ الظاهر، وَفَاتَهُ الشَّطْرُ الباطن، لاتِّصاف قلبه بالجمود، وبُعْدِهِ في العبادة والتلاوة عن لين القلوب والجلود، كما قال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: ٢٣] وبذلك يرتقي الفقيهُ عن فقهاءِ عصرنا، ويتميَّزُ به عنهم، فالنافذ من الفقهاء له البصيرة المُنوَّرة، والذَّوق الصحيح، والفراسة الصادقة، والمعرفة التامة، والشهادة على غيره بصحيح الأعمال وسقيمها، وَمَنْ لم يَنْفُذْ لم تكن له هذه الخصوصية، وأبْصَرَ بعضَ الأشياء وغاب عنه بعضها.

فيتعينُ علينا جميعًا طلبُ النفوذ إلى حضرة قُربِ المعبود، ولقائه بذوق الإيقان، لنعبدَه كأنَّنا نراه، كما جاء في الحديث.

وذلك بعدَ الحَظْوَةِ في هذه الدار بلقاءِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - غيبًا في غيب، وسِرًّا في سِرٍّ، بالعُكُوف على معرفة أيامه وسننه واتِّباعها، فتبقى البصيرةُ شاخصةً إليه، تراه عيانًا في الغيب، كأنها معه - صلى الله عليه وسلم -، وفي أيامه، فيجاهدُ على دينه، ويبذل ما استطاع من نفسه في نُصْرتِه.

<<  <   >  >>