للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك مَنْ سَلَك في طريق النفوذ يُرجَى له أنْ يلقَى ربّه بقلبه غيبًا في غيب، وسرًّا في سرٍّ، فيُرْزَقُ القلبُ قسطًا من المحبة والخشْيةِ والتعظيم، فيرى الحقائقَ بقلبه من وراء سترٍ رقيق، وذلك هو المُعَبَّرُ عنه بالنفوذ، ويصل إلى قلبه من وراء ذلك الستر ما يغمُرُه من أنوار العَظَمة والجلال، والبهاء والكمال، فيتنوَّر العلمُ الذي اكتسبه العبد، ويبقى له كيفيةٌ أخرى زائدةٌ عَلَى الكيفية المعهودة من البهجة والأُنس والقوة في الإعلان والإسرار.

فلا ينبغي لنا أن نتشاغلَ عن نَيْلِ هذه الموهبة السَّنِيَّةِ، بشواغل الدنيا وهُمومها، فنَنْقَطِعَ بذلك ــ كما تقدم ــ بالشيء المفضول عن الأمر المهم الفاضل، فإذا سَلَكْنا في ذلك برهة من الزمان، ورزقَنا الله تعالى نفوذًا، وتمكَّنَّا في ذلك النُّفوذِ فلا تعودُ هذه العوارضُ الجزيئاتُ الكونياتُ تُؤثِّر فينا إنْ شاء الله تعالى، وليكن شأنُ أحدنا اليوم: التعديلَ بين المصالح الدنيوية والفضائل العلمية، والتوجُّهات القلبية، ولا يقنع أحدُنا بأحد هذه الثلاثة عن الآخَرَيْنِ، فيفوتَه المطلوبُ، ومتى اجتهد في التعديل فإنه ــ إن شاء الله تعالى ــ بِقَدْرِ ما يحصل للعبد جزءٌ من أحدهم، حصَّل جزءًا من الآخر، ثم بالصبر عَلَى ذلك تجتمعُ الأجزاء المُحصَّلة، فتصير مرتبة عالية عند النهائية ــ إن شاء الله تعالى ــ.

هذا، وإن كنتم ــ أيدكم الله تعالى ــ بذلك عالمين، لكنَّ الذكرى تنفع المؤمنين.

فصل

واعلموا ــ أيدكم الله ــ أنه يجب عليكم أن تشكروا ربكم تعالى في هذا العصر، حيث جعلكم بين جميع أهل هذا العصر كالشامة البيضاء في الحيوان

<<  <   >  >>