للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلا تُهوِّنوا أمر مثل هؤلاء في انبساطهم مع الخلق؛ واشتغال أوقاتهم بهم، فإنهم كما حُكي عن الجُنَيد - رحمه الله - أنه قيل له: «كم تنادي على الله تعالى بين الخلق؟ فقال: أنا أنادي على الخلق بين يدي الله».

فاللهَ اللهَ في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حُرُماته في الغيب والشهادة، وحبِّ مَنْ أحبَّه، ومجانبة من أبغضه أو عابه وانتقصه، وردِّ غِيبتهِ، والانتصارِ له في الحق.

واعلموا ــ رحمكم الله ــ أن هنا مَنْ سافر إلى الأقاليم، وعرف الناس وأذواقَهم وأشرف على غالب أحوالهم، فواللهِ، ثم واللهِ، لم يَرَ تحت أديم السماء مثلَ شيخكم: علمًا، وحالًا، وخُلُقًا، واتِّباعًا، وكرمًا وحِلْمًا في حق نفسه، وقيامًا في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدقُ الناس عَقْدًا، وأصَحُّهم علمًا وعزمًا، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامِه همَّةً، وأسخاهم كفًّا، وأكملهم اتباعًا لنبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ما رأينا في عصرنا هذا من تُستجلى النبوةُ المحمديةُ وسنتُها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيث يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة.

وبعد ذلك كلِّه فقولُ الحقِّ فريضةٌ، فلا نَدَّعي فيه العصمة عن الخطأ، ولا ندَّعي إكماله لغاياتِ الخصائص المطلوبة، فقد يكونُ في بعض الناقصين خصوصيةٌ مقصودةٌ مطلوبةٌ، لا يتمُّ الكمال إلا بها [و] تلك الخصوصية في غيره أكمل مما هي فيه، بمعنى أن ذلك متصف بحقائقها مثلًا؛ لانفراد همة وقته بها، وتفرق شيخنا فيه فضائل مهمة دينية وغيرها، ولو حققنا لوجدنا شيخنا أفضل من ذلك الرجل مع قيامه بتلك الخصوصيةِ، وهذا القَدْرُ لا يجهله منصفٌ عارف، ولولا أن قول الحق فريضة، والتعصبَ للإنسان هوًى، لأعرضت عن

<<  <   >  >>