وإذا عرفتم قَدْرَ دين الله تعالى الذي أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعرفتم قدر حقائق الدِّين الذي يُعَبَّر عنه بالنفوذ إلى الله تعالى، والحظوة بقربه، ثم عرفتم اجتماعَ الأمرين في شخص مُعيَّن، ثم عرفتم انحرافَ الأمة عن الصراط المستقيم، وقيامَ الرجل المُعيَّن الجامعِ للظاهر والباطن في وجوه المنحرفين، ينصر اللهَ تعالى ودينه، ويقوِّم مُعوجهم يَلُمُّ شعثهم، ويصلح فاسدهم، ثم سمعتم بعد ذلك طعنَ طاعن عليه من أصحابه أو من غيرهم، فإنه لا يخفى عليكم مُحِقٌّ هو، أو مبطل؟ إن شاء الله.
وبرهان ذلك: أن المُحقَّ يطلب الهدى والحق يَعرِض عند من أنكر عليه ذلك الفعل الذي أنكره، إما بصيغة السؤال أو الاستفهام بالتلطف عن ذلك النقص الذي رآه فيه، أو بلغه عنه، فإن وجد هناك اجتهادًا، أو رأيًا أو حجة، قنع بذلك، وأمسك، ولم يُفْشِ ذلك إلى غيره، إلا مع إقامةِ ما بَيَّنَه من الاجتهاد، أو الرأي، أو الحجة، ليَسُد الخَلَل بذلك.
مثل هذا يكون طالب هدى، محبًّا، ناصحًا، يطلب الحق، ويروم تقويم أستاذه عن انحرافه بتعريفه وتفويضه، كما يروم أستاذُه تقويمَه، كما قال بعضُ الخلفاء الراشدين (١) ــ ولا يحضرني اسمه ــ: «إذا اعوجَجْتُ فقوِّموني».
فهذا حقٌّ واجبٌ بين الأستاذ والطالب، فإن الأستاذ يطلب إقامة الحق على نفسه ليقوم به، ويتَّهمُ نفسه أحيانًا، ويتعرّف أحواله من غيره، مما عنده