للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من النَّصَفَةِ وطلب الحق، والحذر من الباطل، كما يطلب المريد ذلك من شيخه من التقويم، وإصلاح الفاسد من الأعمال والأقوال.

ومِنْ براهينِ المُحِقِّ: أن يكون عدلًا في مدحه، عدلًا في ذمِّه، لا يحمله الهوى ــ عند وجود المُراد ــ على الإفراط في المدح، ولا يحمله الهوى ــ عند تعذُّر المقصود ــ على نسيان الفضائل والمناقب، وتعديد المساوئ والمثالب.

فالمُحِقُّ في حالَتَيْ غضبهِ ورضاهُ ثابتٌ على مدح مَنْ مدحه وأثنى عليه؛ ثابت على ذم من ثلبه وحطّ عليه.

وأما مَنْ عَمِلَ كُرَّاسةً في عَدِّ مثالب هذا الرجل القائم بهذه الصفات الكاملة بين أصناف هذا العالم المنحرف، في هذا الزمان المظلم، ثم ذكر مع ذلك شيئًا من فضائله، ويعلم أنه ليس المقصودُ ذكرَ الفضائل، بل المقصودُ تلك المثالب، ثم أخذ الكُرَّاسةَ يقرؤها على أصحابه واحدًا واحدًا في خَلْوة، يوقف بذلك هَمَّهُمْ عن شيخهم، ويُريهم قدحًا فيه، فإني أستخير الله تعالى وأجتهد رأيي في مثل هذا الرجل، وأقول انتصارًا لمن ينصرُ دينَ الله، بين أعداءِ الله في رأس السبع مئة، فإن نصرة مثل هذا الرجل واجبة على كل مؤمن، كما قال وَرَقَةَ بن نوفل: «لئن أدْرَكَني يومُك لأنصُرنَّك نصرًا مُؤَزّرًا» (١). ثم أسأل الله تعالى العصمة فيما أقول عن تَعَدِّي الحدود والإخلاد إلى الهوى. أقولُ: مثل هذا ــ ولا أُعَيِّن الشخصَ المذكور بعينه ــ لا يخلو من أمور:

أحدها: أن يكون ذا سنٍّ تغيَّر رأيه لِسنِّه؛ لا بمعنى أنه اضطرب بل بمعنى أن السنَّ إذا كَبِرَ يجتهد صاحبه للحق، ثم يضعُه في غير مواضعه، مثلًا يجتهد


(١) رواه البخاري في أول «صحيحه».

<<  <   >  >>