فلما كان يوم الاثنين ثاني عِشْري رجب الفرد قرأ الجمال المِزِّي المحدِّث فصلًا في الرد على الجهمية من كتاب «أفعال العباد» من تصنيف البخاري، قرأ ذلك تحت النسر (١) في المجلس العام المعقود لقراءة «البخاري»، فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وقال: نحن المقصودون بهذا التكفير، وسَعَوا به إلى قاضي القضاة نجم الدِّين ابن صَصْرَى الشافعي، فطلبه ورَسَم بحبسه، فبلغ تقي الدِّين ابن تيمية، فقام وأصحابه خلفه إلى الحبس وأخرجوه منه، فطلع قاضي القضاة إلى عند ملك الأمراء، وطلعَ أيضًا تقيّ الدين، فالتقيا هو والقاضي نجم الدين، واشتطَّ تقي الدِّين على القاضي نجم الدين، [وذكر نائبه] جلال الدين، وأنه آذى أصحابه بسبب غيبة نائب السلطان في الصيد، وجرى أمور يطول شرحها، فعند ذلك رسم نائب السلطنة الأمير جمال الدِّين الأفرم أن ينادى بدمشق بظاهرها بمرسوم سلطاني: من تكلم في العقائد حلَّ ماله ودمه ونُهِبت داره، وكان قصد نائب السلطنة تسكين الفتنة.
فلما كان يوم الثلاثاء سَلْخ رجب جمعوا القضاة والفقهاء، وعُمِل مجلس آخر بالميدان بحضور نائب السلطنة، وتباحثوا في أمر العقيدة كثيرًا، فجرى من صدر الدِّين ابن الوكيل كلام في معنى الحروف وغيره، فأنكر عليه ابن الزَّمَلكاني، فقال كمال الدِّين لقاضي القضاة نجم الدِّين ابن صَصْرَى: ما سمعت ما قال؟ فكأنه تغافل حتى تنكسر الفتنة، فقال كمال الدين: ما جرى على الشافعية قليل كونك تكون رئيسهم إشارة إلى ما ادعاه على صدر الدين، فاعتقد قاضي القضاة نجم الدِّين أن الكلام له، فقال: اشهدوا عليّ