للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعدد أسماء مصنَّفاته يحتاج إلى أوراق كثيرة، ولذكرها موضع آخر، وله من المؤلَّفات والفتاوى والقواعد والأجوبة والرسائل والتَّعالِيق ما لا ينحصر ولا ينضبط، ولا أعلم أحدًا من المتقدِّمين ولا من المتَأخِّرين جَمَعَ مثل ما جمع، ولا صنَّف نحو ما صنَّف، ولا قريبًا من ذلك؛ مع أنَّ تصانيفه كَانَ يكْتُبها من حِفْظه، وكتب كثيرًا منها في الحَبْس وليس عنده ما يحتاج إليه ويراجعه من الكتب.

وقال الشَّيخ فتح الدِّين بن سَيِّد النَّاس ــ بعد أنْ ذكر ترجمة شيخنا الحافظ أبي الحَجَّاج الَّتي تقدَّم ذكرها ــ: وهو الَّذي حداني على رُؤية الشَّيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدِّين أبي العَبَّاس أحمد بن عبد الحليم ابن تيميَّة؛ فألفيْتُه ممن أدرك من العلوم حَظًّا، وكاد يستوعب السُّنَن والآثار حِفْظًا، إنْ تكلَّم في التفسير [فهو حامل رأيته، أو أفتى في الفِقْه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب عِلْمِه وذو روايته، أو حاضر بالنِّحَل والملل لم يُر أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مِثْلَ نفسه، كَانَ يتكلَّم في التفسير] فيحضر مجلِسَه الجمُّ الغفير، ويردون من بحر عِلْمه العَذْب النَّمير، ويرتعون من ربيع فَضْله في روْضة وغدير.

إلى أنْ دبَّ إليه مِنْ أهل بلاده داء الحسد، وأكبَّ أهلُ النَّظر منهم على ما يُنْقد عليه من أمور المعتقد، فحفِظُوا عنه في ذلك كلامًا، أوسعوه بسببه ملامًا، وفوَّقُوا لتبديعه سِهامًا، وزعموا أنَّه خالف طريقهم، وفرَّق فريقَهم، فنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضَهم وقاطعوه، ثمَّ نازع طائفة أخرى ينتسبون من الفقر إلى طريقة، ويزعمون أنهم على أدقِّ باطن منها وأجلى حقيقة،

<<  <   >  >>