فكشف تلك الطرائق، وذكر لها ــ على ما زعم ــ بوائق، فآضَتْ إلى الطَّائفة الأولى من منازعيه، واستعانت بذوي الضِّغْن عليه من مقاطعيه، فوصلوا بالأمراء أمرَه، وأعمل [كلٌّ] منهم في كُفْره فِكْرَه، فرتَّبوا محاضر، وألَّبوا الرُّوَيْبِضَة للسَّعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إلى حَضْرة المملكة بالدِّيار المِصْرية، فَنُقِلَ وأُودع السِّجْن ساعةَ حُضُوره واعْتُقل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قَوْمًا من عُمَّار الزَّوايا وسكان المدارس، من مُجَامل في المُنَازعة مخاتِلٍ في المخادعَة، ومن مُجاهر بالتَّكْفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه رَيْبَ المَصنُون {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[القصص: ٦٩].
وليس المجاهر بكفره بأسوأ حالًا من المخاتل، وقد دبَّتْ إليه عقارب مكره، فَرَدَّ الله كيد كلٍّ في نحره، ونجاه على يد من اصْطَفَاه، والله غالب على أمره، ثمَّ لم يَخْلُ بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طول عمره من محنة إلّا إلى محنة، إلى أنْ فُوِّض أمره لبعض القُضَاة فتقلَّد ما تقلد من اعتقاله، ولم يزلْ بمحبسه ذلك إلى حين ذهابه إلى رحمة الله تعالى وانتقاله، وإلى الله ترجع الأمور، وهو المطَّلع على خائنة الأعين وما تخفي الصُّدور، وكان يومه مشهودًا، ضاقت بجنازته الطريق، وانتابها المسلمون من كلِّ فَجٍّ عميق، يتبركون بمشهده يوم يقوم الأشهاد، ويتمسكون بشَرْجَعِهِ (١) حتَّى كسروا تلك الأعواد! !
ثمَّ ذكر يوم وفاته ومَوْلده، ثمَّ قال: وقرأتُ على الشَّيخ الإمام حامل راية العلوم، ومُدْرك غاية الفهوم، تقي الدِّين أبي العَبَّاس أحمد بن