للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو أكبر من أن يُنبّه مثلي على نعوته؛ فلو حُلِّفْتُ (١) بين الركن والمقام لحلفتُ أني ما رأيت بعيني مثله، ولا والله ما رأى هو مثل نفسه في العلم.

وفيه قلَّة مداراة وعدم تؤدة غالبًا، والله يغفر له.

وهو فقير لا مال له، وملبوسه ــ كأحد الفقهاء ــ: فرَّجية، ودَلَق، وعمامة، يكون قيمة ثلاثين درهمًا، ومداس ضعيف الثمن.

وشعره مقصوص، وعليه مهابةٌ، وشيبُه يسير، ولحيته مستديرة، ولونه أبيض حِنْطي اللون، وهو رَبْع القامة، بعيد ما بين المَنْكِبين، كأنَّ عينيه لسانان ناطقان.

ويصلي بالناس صلاةً لا يكون أطول من ركوعها وسجودها. وربما قام لمن يجيء من سفر أو غاب عنه، وإذا جاء فربما يقومون له، والكلُّ عنده سواء؛ فإنه فارغٌ من هذه الرسوم، ولم ينحَنِ لأحدٍ قط، وإنما يُسلِّم ويُصافح ويتبسم، وقد يُعظِّم جليسَه مرة، ويهينه في المحاورة مرات.

ولما صنف «المسألة الحموية» في الصفات سنة ثمان وتسعين تحزبوا له، وآل بهم الأمر إلى أن طافوا بها على قصبة من جهة القاضي الحنفي (٢)، ونُودي عليه بأن لا يُستفتى، ثم قام بنصره طائفة آخرون، وسلّم الله.

فلما كان في سنة خمس وسبعمائة جاء الأمر من مصر بأن يُسأل عن معتقده، فجُمِعَ له القضاةُ والعلماء بمجلس نائب دمشق الأفرم، فقال: أنا


(١) (ظ): «طفت» تصحيف.
(٢) هو القاضي جلال الدِّين الحنفي، انظر «تاريخ الإسلام»: (٥٢/ ٦١) للذهبي. وانظر الخبر مفصلًا في «العقود الدرية» (ص ٢٥٥).

<<  <   >  >>