الخوانين والأمراء، فأتوه من كل فج عميق، وصاروا يتلاحقون به ليتبركوا برؤيته، فأما هو فما وصل إلَّا في نحو ثلثمائة فارس في ركابه، وأما نحن فخرج علينا جماعة، فسلحونا، وكان (١) لا يسمح لمناظريه في بلوغ مرادهم من ضَرْوِه، ويقول: ما لي وله؟
وكان قاضي القضاة أبو عبد الله ابن الحريري يقول: إن لم يكن ابن تَيْميَّة شيخ الإسلام فمن هو؟ !
ثمَّ بعد ذلك تمكن ابن تَيْميَّة في الشَّام حتَّى صار يَحلِق الرؤوس ويضرب الحدود ويأمر بالقطع والقتل. ثمَّ ظهر الشَّيخ نصر المنبجي واستولى على أرباب الدولة بالقاهرة، وشاع أمره وانتشر، فقيل لابن تَيْميَّة: إنَّه اتّحادي وإنه ينصر مذهب ابن العربي وابن سبعين، فكتب إليه نحو ثلاثمائة سطر يُنكر عليه، فتكلم نصر المنبجي مع قضاة مصر في أمره، وقال: هذا مبتدع، وأخاف على النَّاس من شرّه، فحسَّنَ القضاة للأمراء طلبَه إلى القاهرة، وأن يُعقد له مجلس، فعُقد له مجلس بدمشق، فلم يرضَ نصر المنبجي وقال لابن مخلوف: قل للأمراء: إنَّ هذا يُخشَى على الدولة منه، كما جرى لابن تومرت في بلاد المغرب فطُلِبَ من الأفرم نائب دمشق، فعُقِد له مجلس ثانٍ وثالث، بسبب العقيدة الحموية، ثمَّ سكنت القضية إلى أيام الجاشنكير، فأوهمه الشَّيخ نصر أنَّ ابن تَيْميَّة يُخرِجهم من الملك ويُقيم غيرَهم، فطُلِب إلى الديار المصرية، فمانع نائب الشام، وقال: قد عُقِد له مجلسان بحضرتي وحضرة القضاة والفقهاء، وما ظهر عليه شيء، فقال