الرسول لنائب دمشق: أنا ناصح لك، وقد قيل إنَّه يجمع الناسَ عليك، وعقد لهم بيعة، فجزع من ذلك، وأرسله إلى القاهرة في رمضان سنة خمس وسبعمائة، وكتب معه كتابًا إلى السلطان، وكُتِب معه محضر فيه خطوط جماعة من القضاة وكبار الصلحاء والعلماء بصورة ما جرى في المجلسين، وأنَّه لم يثبت عليه فيهما شيء، ولا مُنِع من الإفتاء، فما التفت إلى شيء من ذلك، وسُجِن بالإسكندرية مدةً ثمَّ عاد إلى دمشق.
وحكي من شجاعته في مواقف الحرب نوبة شَقْحب ونوبة كسروان ما لم يُسمع إلَّا عن صناديد الرجال وأبطالِ اللقاء وأحلاسِ الحرب، تارةً يباشر القتال، وتارةً يُحرّض عليه. وركب البريد إلى مهنّا بن عيسى واستحضره إلى الجهاد، وركب بعدها إلى السلطان واستنفره، وواجه بالكلام الغليظ أمراءه وعسكره، ولما جاء السلطان إلى شَقْحب لاقاه إلى قرن الحرَّة، وجعل يشجّعه ويُثبته، فلما رأى السلطان كثرة التَّتار قال: يا لخالد بن الوليد! ! فقال له: لا تقل هذا، بل قل يا الله، واستغثْ بالله ربِّك، ووحِّده وحدَه تُنْصر، وقل: يا مالكَ يوم الدِّين إياك نعبد وإياك نستعين. ثم ما زال يُقبل تارةً على الخليفة وتارةً على السلطان ويُهدّئُهما ويَربِط جأشهما حتَّى جاءَ نصرُ الله والفتح.
وحُكي أنَّه قال للسلطان: اثبُتْ فأنت منصور، فقال له بعض الأمراء: قل إن شاء الله تعالى، فقال: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا، فكان كما قال.
وحكى أبو حفص عمر بن عليّ بن موسى البزّار البغدادي، قال: حدّثني الشَّيخ المقرئ تقي الدِّين عبد الله بن أحمد بن سعيد قال: مرضتُ بدمشق مرضةً شديدةً، فجاءني ابن تَيْميَّة، فجلس عند رأسي وأنا مُثْقَل بالحمَّى والمرض، فدعا لي، ثمَّ قال: قم، جاءت العافية، فما كَانَ إلَّا أن قام وفارقني،