للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا بالعافية قد جاءت، وشُفِيتُ لوقتي.

قلت: وكان يجيئه من المال في كل سنة ما لا يكاد يُحصى، فيُنفقه جميعه آلافًا ومئين، لا يلمس منه درهمًا بيده، ولا ينفقه في حاجةٍ له، وكان يعود المرضى، ويُشيّع الجنائز، ويقوم بحقوق النَّاس، ويتألَّف القلوب، ولا ينسب إلى باحثٍ لديه مذهبًا، ولا يحفظ لمتكلِّمٍ عنده زلَّةً، ولا يتشهَّى طعامًا، ولا يمتنع من شيء منه، بل هو مع ما حضر، لا يتجهَّم مَرآه، ولا يتكدَّرُ صفوه، ولا يسأمُ عفوَه.

وآخر أمره أنَّه تكلَّم في مسألتي الزيارة والطلاق، فأُخِذ وسُجِن بقلعةِ دمشق في قاعة، فتوفي بها في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وحضر جمعٌ كبير إلى القلعة، وأُذِن لبعضهم في الدخول، وغُسل وصُلّي عليه بالقلعة، ثمَّ حُمِل على أصابع الرجال إلى جامع دمشق ضَحوةَ النهار، وصُلّي عليه، ودُفن بمقبرة الصوفية، وما وصل إلى قبره إلى وقت العصر، وخرج النَّاس من جميع أبواب البلد، وكانوا خلقًا لا يُحصيهم إلَّا الله تعالى، وحزِر الرجال بستين ألفًا والنساء بخمسة آلاف امرأةٍ، وقيل أكثر من ذلك. ورُئيَتْ له منامات صالحة. ورثاه جماعات من النَّاس بالشام ومصر والعراق والحجاز والعرب من آل فَضلٍ، رحمة الله عليه.

ورثيتُه بقصيدةٍ لي، هي:

أهكذا بالدياجي يُحجب القمر ... ويُحبس النوءُ حتى يذهبَ المطرُ؟

أهكذا تُمنع الشمسُ المنيرة عن ... منافع الأرض أحيانًا فتستَتِرُ؟

أهكذا الدهر ليلًا كلّه أبدًا ... فليس يُعرف في أوقاته سحَر؟

أهكذا السيف لا تَمضِي مضاربُه ... والسيف في الفتك ما في عزمه خَوَر؟

<<  <   >  >>