فلمّا كَانَ في صفر سنة سبع وسبعمائة اجتمع قاضي القضاة بدر الدِّين محمد بن جماعة الشافعيّ بالشيخ تقي الدِّين ابن تَيْمِيَّة في دار الأمير الأوحديّ بكرةَ الجمعة رابع عشريْه بقلعة الجبل، وطال بينهما الكلام، وتفرّقا قبل الصلاة.
وفي شوّال شكا الشَّيخ كريم الدِّين الآمليّ شيخ الصوفيّة بالقاهرة، وابن عطاء وجماعة نحو الخمسمائة نفس، من ابن تَيْمِيَّة وكلامه في ابن العربيّ الصوفيّ وغيره، إلى أمراء الدولة. فردُّوا الأمر في ذلك إلى ابن جماعة. فعُقد له مجلس، وادّعى عليه ابن عطاء بأشياء لم يثبت منها شيء. لكنّه اعترف بأنّه قال: لا يُستغاث بالنبي - صلى الله عليه وسلم - استغاثةً بمعنى العبادة، ولكنه يُتوَسّلُ به. فقال بعض الحاضرين: ليس في هذا شيءٌ.
ورأى ابن جماعة أنَّ هذا إساءةُ أدبٍ وعنّفه على ذلك، فحضرت رسالة إليه أنْ يعمل في ابن تَيْمِيَّة ما تَقْتضيه الشريعة في ذلك فقال: قد قلتُ له ما يقال لأمثاله.
فلم يقنعهم بذلك. وخيّروا ابن تَيْمِيَّة بين الإقامة بدمشق أو الإسكندرية بشرط الحبس، فاختار الحبس.
ودخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق، ملتزمًا ما شُرط، فأجابهم، وركب البريدَ ليلةَ الثامن عشر من شوّال وسار. فأرسل إليه من الغد بريدٌ آخر ردّه إلى عند ابن جماعة، وقد اجتمع الفقهاء. قال بعضهم: ما ترضى الدولة إلَّا بالحبس.