أحمد بن يحيى بن فضل الله العمريّ: هو البحر من أيّ النواحي جئته، والبدرُ من أيّ الضواحي أتيته. جرت آباؤه لِشأو ما قنع به، ولا وقف طليحًا مريحًا من تَعَبِه، طلبًا لا يرضى بغاية، ولا تُقضى له نهاية. رضع ثديَ العلم منذ فُطِمَ، وطلع وجهُ الصباح ليحاكيَه فلُطم، وقطع الليل والنهار دائبين، واتَّخذ العلم والعمل صاحبين، إلى أنْ أنْسَى السلفَ بِهُداه، وأنأى الخلَف عن بلوغ مداه:
وَثَقَّفَ الله أمْرًا باتَ يَكلؤُهُ ... يَمضِي حُساماه فيه السيفُ والقلمُ
بهمَّةٍ في الثريَّا أثرُ أخْمَصِها ... وعَزْمَةٍ ليسَ من عادتِها السَّأمُ
على أنّه من بيت نشأت منه علماء في سالف الدهور، ونَسأت منه عظماءُ على المشاهير الشهورَ، فأحيَا معالم بيته القديم إذ درس، وجنى من فَنَنِه الرطيب ما غرس. وأصبح في فضله آيةً إلَّا أنّه آية الحرس. عرضت له الكدى فزحزحها، وعارضته البحارُ فضحضحَهَا، ثمَّ كَانَ أمّة وحده، وفردًا حتَّى نزل لحدَه، أخمل من القرناءِ كلّ عظيم، وأخمد من أهل الفناء كلّ قديم، ولم يكن منهم إلَّا من يجفل عنه إجفالَ الظليم، ويتضاءل لديه تضاؤلَ الغريم: