للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلّا أنَّ سابقَ المقدور أوقَعَه في خَلَلِ المَسَائِل، وخَطَل خَطَإٍ لا يأمَنُ فيه مع الإكثارِ قائِلٌ، وأظنُّه ــ واللهُ يَغفِرُ له ــ عُجِّلَتْ له في الدنيا المقاصَّة، وأخذ نَصِيبَه من بلواها عامَّةً وله خاصَّة، وذلك لحطِّه على بعض سلفِ العلماء، وحَلِّه لقواعدَ كثيرةٍ من نواميسِ القدماء، وقِلَّةِ توقيرِه للكُبَراء، وكثرةِ تكفيرِه للفُقراء، وتزييفه لغالبِ الآراء، وتقريبه لجهَلَةِ العوامِّ وأهلِ المِراء، وما أفتَى به آخرًا في مسألتَي الزيارةِ والطلاق، وإذاعتِه لهما حتَّى تكلّم فيهما من لا دينَ له ولا خلاق، فسلّط ذبالَ الأعداءِ على سَلِيطه، وأطلقَ أيديَ الاعتداءِ في تفريطِه، ولَقَّمَ نارَهم سَعَفَه، وأرَى أقساطَهم شَرَفَه، فلم يَزَلْ إلى أن ماتَ عِرْضُه منهوبًا، وعَرْضُه مَوْهُوبًا، وصَفَاتُه تَتصدَّع، ورُفَاتُه لا يتجمَّع، ولعلَّ هذا لخيرٍ أُريدَ به، وأُرِيغَ له بحُسنِ مُنقَلَبه.

وكان تعمُّده للخلاف، وتَقصُّده لغيرِ طريقِ الأسْلاف، وتقويتُه للمسائل الضعاف، وتقويضُه عن رؤوس السِّعاف (١) = يُغَيِّر مكانتَه من خاطِر السلطان، ويُسَبِّبُ له التغرُّبَ عن الأوطان، ويُنَفّذُ إليه سِهامَ الألسنةِ الرواشِق، ورِماحَ الطَّعنِ في يدِ كلِّ ماشق، فلهذا لم يَزَلْ مُنغَّصًا عليه طولَ مُدَّتِه، لا تكادُ تَنفرِجُ عنه جوانبُ شِدَّتِه.

هذا مع ما جَمعَ من الورع، وإلى ما فيه من العُلَى، وما حازَه بحذافيرِ الوجود من الجود: كانت تأتيه القَناطيرُ المقنطرةُ من الذهب والفضة، والخيلِ المُسَوَّمةِ والأنعام والحرثِ، فيَهَبُه بأجمعِه، ويَضعُه عند أهل الحاجةِ في موضعِه، لا يَأخذ منه شيئًا إلَّا ليهَبه، ولا يَحفَظُه إلَّا ليُذْهِبَه، كُلَّه في سبيل


(١) كذا هنا وفيما تقدم (ص ٣٩٠) ولعلها: من رؤوس الشِّعاف.

<<  <   >  >>