للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويغري به بيبرس الجاشنكير، وكان بيبرس يفرط في محبة نصر ويعظِّمه، وقام القاضي زين الدِّين ابن مخلوف قاضي المالكية مع الشِّيخ نصر وبالغ في أذية الحنابلة، واتفق أنَّ قاضي الحنابلة شرف الدِّين الحَرَّاني كَانَ قليل البضاعة في العلم، فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوه خطَّه بذلك، واتفق أنَّ قاضي الحنفية بدمشق، وهو شمس الدِّين ابن الحريري انتصر لابن تَيْمِيَّة، وكتب في حقه محضرًا بالثناء عليه بالعلم والفهم، وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطرًا من جملتها أنَّه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى النَّاس مثله، فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى في عزل ابن الحريري، فعُزِل وقرر عوضه شمس الدِّين الأذرعي، ثمَّ لم يلبث الأذرعي أن عُزِل في السنة المقبلة.

وتعصّب سلار لابن تَيْمِيَّة وأحضر القضاة الثلاثة الشَّافعيّ والمالكي والحنفي وتكلّم معهم في إخراجه فاتفقوا على أنَّهم يشترطون فيه شروطًا، وأن يرجع عن بعض العقيدة، فأرسلوا إليه مرَّات فامتنع من الحضور إليهم واستمر، ولم يزل ابن تَيْمِيَّة في الجب إلى أن شفع فيه مهنَّا أمير آل فضل فأخرج في ربيع الأول في الثالث وعشرين منه، وأُحضر إلى القلعة، ووقع البحث مع بعض الفقهاء، فكتب عليه محضر بأنه قال: أنا أشعري، ثمَّ وجد خطه بما نصه: الَّذي أعتقد أّنَّ القرآن معنًى قائم بذات الله، وهو صفة من صفات ذاته القديمة، وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] ليس على ظاهره، ولا أعلم كُنْه المراد به، بل لا يعلمه إلَّا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء. وكتبه أحمد بن تَيْمِيَّة (١). ثمَّ أشهدوا عليه أنَّه تاب مما ينافي ذلك مختارًا، وذلك في


(١) فصَّلنا القول في هذا الرجوع والمكتوب في المقدمة (ص ٤٤).

<<  <   >  >>