الغمامة، المقدم بفقاهته ونبهاته على أبي يعلى وابن قدامة، سيدنا الآتي ذكره الشريف في الختام حُبًّا وكرامة، طيَّب الله لياليه وأيامه، وأبقاه محروسًا عن الرزايا وحباه ما فيه السلامة.
قال الحافظ ابن رجب الدمشقي: مكث الشيخ ـ أي: تقي الدِّين أبو العباس ـ في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين، ثم مرض بضعة وعشرين يومًا، ولا يعلم أكثر الناس مرضه، ولم يفجأهم إلا موته.
وكانت وفاته في سحر ليلة الاثنتين عشري ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وسبع مئة.
وذكره مؤذن القلعة على منارة الجامع، وتكلم به الحرس على الأبراج، فتسامع الناس بذلك، وبعضهم أعلم به في منامه، وأصبح الناس، واجتمعوا حول القلعة حتَّى أهل الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهل الأسواق شيئًا، ولا فتحوا كثيرًا من الدكاكين التي من شأنها أن تُفْتح أوَّل النهار. وفتح باب القلعة.
وكان نائب السلطنة غائبًا عن البلد، فجاء الصاحب إلى نائب القلعة، فعزاه به وجلس عنده، واجتمع عند الشَّيخ في القلعة خلق كثير من أصحابه، يبكون ويثنون، وأخبرهم أخوه زين الدِّين عبد الرَّحمن: أنَّه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة، وشرعا في الحادية والثمانين، فانتهيا إلى قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: ٥٤ - ٥٥].