للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقدّم عليه في الصلاة هناك أخوه، وألقى الناس عليه مناديلهم وعمائمهم للتبرُّك! وتراصّ الناس تحت نعشه، وحُزِرت النساء بخمسة عشر ألفًا، وأما الرجال فقيل: كانوا مائتي ألف. وكَثُر البكاء عليه، وخُتمت له عدة ختم، وتردد الناس إلى زيارة قبره أيامًا، ورئيت له منامات صالحة ورثاه جماعة. قلت: ورثيته أنا بمرثية على حرف الطاء؛ فشاعت واشتهرت، وطلبها مني الفضلاء والعلماء من البلاد وهي:

عَثَا في عِرْضه قومٌ سِلاطٌ ... لهم من نَثْر جَوْهره التقاطُ

تقي الدِّين أحمد خيرُ حبْرٍ ... خُروق المعضلاتِ به تُخاطُ

توفّي وهو محبوسٌ فَريدٌ ... وليس له إلى الدّنيا انبساطُ

ولو حَضَروه حينَ قَضَى لألْفَوا ... ملائكةَ النَّعيمِ به أحاطُوا

قضى نحبًا وليس له قَرِينٌ ... ولا لِنَظيره لُفَّ القِمَاطُ

فتًى في علمه أضْحى فريدًا ... وحلُّ المشكلاتِ بِه يُناطُ

وكان إلى التُّقى يَدْعو البرايا ... وينهى فِرْقةً فسقوا ولاطُوا

وكان الجنُّ تَفْرق من سَطَاه ... بوعظٍ للقلوبِ هو السِّياطُ

فيالله ما قد ضمَّ لحدٌ ... ويالله ما غطَّى البلاطُ!

هم حَسَدوه لمّا لَمْ يَنَالوا ... مناقبه فقد مَكَروا وشاطُوا

وكانوا عن طرائقِهِ كُسالى ... ولكنْ في أذاه لهم نَشَاطُ

وحَبْسُ الدُّرِّ في الأصداف فخرٌ ... وعند الشّيخ بالسّجن اغْتِباطُ

بآلِ الهاشميِّ له اقتداءٌ ... فقد ذاقوا المنُونَ ولم يُواطوا

بنو تيميَّة كانوا فبانوا ... نجوم العلم أدركها انهباطُ

ولكن يا ندامةَ حَابِسيه ... فشكّ الشِّرك كان به يُمَاطُ

<<  <   >  >>