قال: فلقد كَانَ عجبًا في معرفة علوم الحديث، ولقد كتب «الحموية» في قعدة واحدة، وهي أزيد من ذلك، وله يد طولى في الكلام على المعارف والأحوال. والتمييز بين صحيح ذلك وسقيمه، ومعوجه وقويمه.
وقد ترجم له ابن الزَّمْلَكاني ترجمة عظيمة وأثنى عليه ثناء عظيمًا. ومدحه أبو حيان الأندلسي نظمًا حسنًا. وقال له ابن دقيق العيد عند اجتماعه به وسماعه لكلامه: ما كنت أظن أنَّ الله فيما بقي يخلق مثلك.
قال ابن رجب: ومما وجد في كتاب كتبه العلَّامة أبو الحسن السبكي إلى الحافظ الذَّهَبيّ في أمره: أما قول سيدي في الشَّيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الَّذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائمًا، وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق، والقيام فيه لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان، بل من أزمان، انتهى.
قلت: وأبو الحسن السبكي ــ هو السبكي الكبير ــ كما صرّح بذلك ابن مفلح في طبقاته، وقد قال بعض السفهاء: إنَّ علمه كَانَ زائدًا على عقله ــ يشير بذلك إلى قلة فهمه، كأنَّ القائل بهذا القول لم يقف على ما أثنى به عليه جمع جم من الأئمة الكبار بالذكاء وقوة الدرك وبلوغه في المعقولات مبلغًا عظيمًا والزهد، فأين هذا يقع من ذاك، ولكن من أعمى الله بصر بصيرته فهو يرى الشمس مظلمة، هذا السبكي عدوه، والراد عليه قد أقر له في كتابه هذا بما أقر، ولنعم ما قيل: