وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
وكان الحافظ المزي يبالغ في تعظيم الشَّيخ والثناء عليه، حتَّى كَانَ يقول: لم يرُ مثله منذ أربع مئة سنة، وقال ابن رجب: بلغني من طريق صحيح عن ابن الزَّمْلَكاني: أنَّه سئل عن الشَّيخ؟ فقال:«لم نر من خمس مئة سنة أو أربع مئة سنة ــ الشك من الناقل، وغالب ظنه: أنَّه قال: من خمس مئة سنة ــ أحفظ منه». وكذلك المشايخ العارفون كالقدوة محمد بن قوام، ويحكى أنّه كَانَ يقول: ما أسْلَمَت معارفنا إلَّا على يد «ابن تَيْمِيَّة»، والشَّيخ عماد الدِّين الواسطي كَانَ يعظمه جدًّا، وتلمذ له، مع أنَّه كَانَ أسن منه. وكان يقول: قد شارف مقام الأئمة الكبار، ويناسب قيامه في بعض الأمور مقام الصديقين.
وكتب رسالة إلى خواص أصحاب الشَّيخ ويوصيهم بتعظيمه واحترامه؛ ويعرفهم حقوقه؛ ويذكر فيها: أنَّه طاف أعيان بلاد الإسلام ولم ير فيها مثل الشَّيخ عملًا وعلمًا، وحالًا وخلقًا واتباعًا، وكرمًا وحلمًا في حق نفسه، وقيامًا في حق الله عند انتهاك حرماته، وأقسم على ذلك بالله ثلاث مرات، ثمَّ قال: أصدق الناس عقلًا، وأصحهم علمًا وعزمًا، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه؛ وأسخاهم كفًّا، وأكملهم اتباعًا لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ما رأينا في عصرنا هذا من تُستجلَى النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلَّا هذا الرَّحل، بحيث يشهد القلب الصحيح أنَّ هذا هو الاتباع حقيقة.
وطوائف من أئمة الحديث حفاظهم وفقهائهم: كانوا يحبون الشَّيخ ويعظمونه، ولم يكونوا يحبون له التوغل مع أهل الكلام ولا الفلاسفة، كما هو طريقة أئمة الحديث المتقدمين مثل الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ونحوهم، وكذلك كثير من الفقهاء وغيرهم كرهوا له التفرد ببعض شذوذ