للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على المغول، وله حدة قوية تعتريه في البحث، حتَّى كأنه ليث حَرِب، وهو أكبر من أن ينبه على نعوته.

وله نظم قليل وسط. ولم يتزوج، ولا تسرى، ولا له من المعلوم إلَّا شيء قليل. وأخوه يقوم بمصالحه، ولا يطلب منهم غداء ولا عشاء في غالب الوقت، وما رأيت في العالم أكرم منه، ولا أفرغ منه عن الدينار والدرهم، لا يذكره ولا أظنه يدور في ذهنه، وفيه مروءة، وقيام مع أصحابه، وسعي في مصالحهم. وهو فقير لا مال له. وملبوسه كآحاد الفقهاء، ولم يَنْحَنِ لأحد قط، وإنما يسلم ويصافح ويبتسم.

وأما محنه فكثيرة، وشرحها يطول جدًّا، منها: أنَّه امتحن في سنة ٧٠٥ بالسؤال عن معتقده ــ بأمر السلطان ــ فجمع نائبه القضاة والعلماء بالقصر، وأحضر من داره «العقيدة الواسطية» فقرأوها في ثلاثة مجالس، وحاققوه وبحثوا معه؛ ووقع الاتفاق بعد ذلك على أنَّ هذه عقيدة سنية سلفية، فمنهم من قال ذلك طوعًا ومنهم من قاله كرهًا، وورد بعد ذلك كتاب من السلطان فيه: إنَّما قصدنا براءة ساحة الشَّيخ، وتبين لنا أنَّه على عقيدة السلف.

وفي آخر الأمر: دبروا عليه الحيلة في مسألة المنع من السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، وألزموه من ذلك بالتنقص بالأنبياء وذلك كفر، وأفتى بذلك طائفة من أهل الأهواء ــ وهم ثمانية عشر نفسًا ــ رأسهم القاضي الإخنائي المالكي، وحبس بقلعة دمشق سنتين وأشهرًا وبها مات ــ رحمه الله تعالى ــ. ووافقه جماعة من علماء بغداد، وكذلك ابنا أبي الوليد ــ شيخ المالكية بدمشق ــ أفتيا: أنَّه لا وجه للاعتراض عليه فيما قاله أصلًا، وأنَّه نقل خلاف العلماء في المسألة، ورجح أحد القولين.

<<  <   >  >>