للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على منارة الجامع، وتكلم به الحرس على الأبرجة، فتسامع الناس بذلك، وبعضهم أعلم به في منامه، وأصبح الناس، واجتمعوا حول القلعة حتَّى أهل الغوطة والمرج، ولم يطبخ أهل الأسواق شيئًا، ولا فتحوا كثيرًا من الدكاكين الَّتى من شأنها أن تفتح أول النهار. وفتح باب القلعة، واجتمع خلق كثير من أصحابه، يبكون ويثنون، وأخبر أخوه: أنَّه منذ دخل القلعة ختم ثمانين ختمة، وانتهى إلى قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: ٥٤ - ٥٥].

صلى عليه الزاهد القدوة محمد بن تمام، وأُخْرِجَ إلى جامع دمشق، وكان الجمع أعظم من جمع الجمع، ثمَّ ساروا به، والناس في بكاء وثناء وتهليل وتأسف، والنساء فوق الأسطحة، وكان يومًا مشهودًا، لم يعهد بدمشق مثله، ولم يتخلف من أهل البلد وحواضره إلَّا الضعفاء والمخدرات، وصرخ صارخ: هكذا تكون جنائز أهل السنة. فبكى الناس بكاءً كثيرًا عند ذلك. واشتد الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم، وصار النعش على الرؤوس، يتقدم تارة ويتأخر أخرى، وخرج الناس من أبواب المدينة كلها، ودفن وقت العصر، وحُزِر الرجال بستين ألفًا إلى مائة ألف وأكثر، والنساء بخمسة عشر ألفًا. وظهر بذلك قول الإمام أحمد: «بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز»، وختم له ختمات كثيرة بالصالحية والمدينة، وتردد الناس إلى زيارة قبره أيامًا كثيرة، ليلًا ونهارًا، رُئيت له منامات كثيرة صالحة، ورثاه خلق من العلماء والشعراء بقصائد كثيرة من بلدان شتى، وأقطار متباعدة، وتأسف المسلمون لفقده، وصلي عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام القريبة والبعيدة، حتَّى في اليمن والصين. وأخبر المسافرون: أنَّه نودي بأقصى

<<  <   >  >>