للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقزويني يقصد «بطريقة أهل الكلام» أن تكون الحجة بعد تسليم المقدمات مستلزمة للمطلوب. ففي قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا اللازم، وهو فساد السموات والأرض باطل، لأن المراد به خروجهما عن النظام الذي هما عليه، فكذا الملزوم وهو تعدد الآلهة باطل.

ومثل هذه الآية الكريمة قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أي والإعادة أهون عليه من البدء، والأهون من البدء أدخل في الإمكان من البدء. فالإعادة أدخل في الإمكان من البدء وهو المطلوب.

وقد استشهد القزويني على هذا الفن البديعي أيضا بأبيات من قصيدة للنابغة الذبياني يعتذر فيها إلى النعمان بن المنذر، وهي:

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب (١)

لئن كنت قد بلغت عني خيانة ... لمبلغك الواشي أغش وأكذب

ولكنني كنت امرأ لي جانب ... من الأرض فيه مستراد ومذهب (٢)

ملوك وإخوان إذا ما مدحتهم ... أحكم في أموالهم وأقرب

كفعلك في قوم أراك اصطفيتهم ... فلم ترهم في مدحهم لك أذنبوا

فالقضية كما يفهم من القصيدة التي منها هذه الأبيات أن النابغة قد كان مدح آل جفنة بالشام فتنكر النعمان لذلك وغضب على الشاعر. وفي هذه الأبيات التي هي مثال للمذهب الكلامي يجادل النابغة النعمان بالمنطق ويدافع عن نفسه بالحجج وبأنه لم ينحرف عن ولائه له، وليس من العدل التفرقة في الحكم بين مدح ومدح. ثم ينتهي بالحجة الدامغة


(١) الريبة: الشك.
(٢) مستراد: موضع يتردد فيه لطلب الرزق، وهو من راد كلأ بمعنى طلبه.

<<  <   >  >>