وحاصل المعنى في ذلك كما في الرسالة: والمحارب لا عَفْوَ فيه إذا ظفر به، فإن قَتَلَ أحدًا فلابدَّ من قَتْلِه، وإن لم يقتل فيسع الإمام فيه اجتهاده بقدر جُرْمه وكثرة مقامه في فساده، فإمّا قَتَلَه أو صَلَبَه ثم قَتَلَه أو يقطعه من خلاف أو ينفيه إلى بلد يسجن به حتى يتوب فإن لم يقدر عليه حتى جاء تائبًا وضع عنه كل حق للَّه من ذلك، وأخَذَ بحقوق الناس من مال أو دَمٍ. ومثله حقوق الله سوى عقوبة الحرابة
كأن شرب خمر أو زنى وهو محارب فإنه يستوفى منه؛ لأن التوبة إنما أسقطت حد الحرابة فقط. قال لخليل: وسقط حدها بإتيان الإمام طائعاً أو ترك ما هو عليه؛ لقوله تعالى: إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة: ٣٤]. قال الخرشي: إن المحارب إذا جاء تائبًا للإمام قبل أن يقدر عليه أو ترك ما هو عليه من الحرابة كما مرَّ اهـ. وإلى ذلك أشار المصنَّف بقوله: فإن تاب قبل القدرة عليه أخذ بحقوق الآدميين. وفي الرسالة: وكلُّ واحد من اللصوص ضامنٌ لجميع ما سلبوه من الأموال، سواء أخذ في حال تلصُّصِه أو جاء تائبًا، وسواء أخذ المال هو أو أخذه غيره وهو حاضر؛ لأن المُعِين شريك واللصوص بعضهم لبعض حملاء، فكلُّ من أخذ منهم غَرِمَ الجميع ويرجع على أصحابه اهـ. أبو الحسن ومثله في النفراوي. وحاصل ما تقدَّم: أنّ الإمام إن قدر على المحارب يفعل به ما يراه رادعًا ولغيره، لكن يكون اجتهاده لمصلحة الناس فيما ظهر له، ولا يجاوز في ذلك ما حدده الله تعالى له في حْكْمِهِ على المحارب كما تقدَّ في الآية الكريمة. قال العلاّمة الصاوي في حاشيته على الدردير نَقْلاص عن الدسوقي ما حاصله: أن الحدود الأربعة واجبة لا يخرج الإمام مخيَّرة لا يتعيَّ واحد منها، إلاَّ أنه يندب للإمام أن ينظر ما هو الأصلح واللائق بحال المحارب فإن ظهر له ما هو اللائق ندب له فِعْلُه، فإن خالف وفعل غير ما ظهر له أصلحيته أجزأ مع الكراهة اهـ. والله أعلم