يعي أن هذا الكتاب مشتمل على بيان ما يتعلَّق بأحكام الأشياء الأربعة وهي الحَجْرُ والصُّلْح والحَمَالة والحَوَالة، وفي كل منها أحكام ومسائلُ مستقلّة تتعلق بها، وستقف على جميع ذلك إن شاء الله تعالى فبدأ بما يتعلَّق بالحَجْرِ اهتمامًا بشأنه لأنه ضروري فقال رحمه الله تعالى:"يَحْجُرُ عَلَى الصَّغيرِ أَبُوهُ أَو وَصِيُّهُ أوِ الْحَاكِمُ" الحَجْرُ لغة المَنْع، وشَرْعًا صفة حُكمية توجِب مَنْعَ موصوفها من نفوذ تصرُّفه فيما زاد على قوته، كما توجب مَنْعَه من نفوذ تصرُّفه في تبرُّعه بزائد على ثُلُث مالِه. ثم إن الولِيَّ الذي له حَقُّ الحَجْرِ والولاية هو الأبُ في وَلَدِهِ الصغير سواء كان ذكرًا أو أنثى. ثم بعد الأبِ وصيُّه يقوم بولاية المحجور، ثم لِمَنُ أوْصَى به الوصِيّ؛ لأن وَصِيَّ الوَصِيَّ كالوَصِيّ، فإن لم يكن الأب كأن مات أو غاب غيبة بعيدة ولم يُوصٍ كانت الولاية في شؤون الصغير للحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه في مصلحة الصغير، وإن لم يوجد حاكم شرعي فالولاية واجبة لجماعة المسلمين.
قال رحمه الله تعالى:"حَتَّى يَبْلُغَ أَوْ يُؤْنَسَ رُشْدُهُ بِإِصْلاَحِهِ الْمَالَ والأُنثَى مَدْخُولاً بها" يعني أن غاية الحَجْرِ في الصغير إلى بلوغه رشيدًا أو يؤنس رشده بإصلاح المال. قال الدردير في أقرب المسالك: والصبي لبلوغه رشيدًا في ذي الأب، وفَكُّ الوصِيَّ والمقدَّم، وزيد في الأنثى دخول زوْج بها وشهادة العدول بحِفْظِها. والحاصل أن الصبي إذا رشد بِحِفْظ مالهِ لا يحتاج إلى فَكَّ الحَجْرِ عنه من أبيه، بخلاف المقدَّم