من قوله: أغْرِمَ أنه لا يُنْقَضُ الحُكْم؛ لاحتمال كذبه في رجوعه، وإنَّما أغرِمَ لاعترافه بالجناية على المشهود عليه. واحترز بقوله: رجع بعد الحُكْم عن الرجوع بعد أداء الشهادة وقبل الحُكْم، فإنه لا يَغْرَمُ شيئًا لأنه لم يُتْلِفْ شيئًا؛ لأَن القاضي لايجوز له الحُكْمُ بالشهادة بعد الرجوع عنهاز قال خليل مشيرًا إلى تلك المسألة: وغَرِما مالاً ودِيَة ولو تعمُّدًا، وإذا رجع أحدهما غَرِمَ نِصْفَ الحقّ، وإذا كان رجوعهما عن شهادة بقتل فإن قالا: غلطنا فالدَّيَة على عاقلتهما، وأمَّا لو قالا: تعمَّدنا فالدَّيَة في أموالهما. وفُهِمَ من قوله: ما أتلف أن الشاهد لو لم يُتْلِفْ شيئًا كما لو رجع عن طلاق مدخول بها أو عن عَتْق أمَّ ولد أو عَفْوٍ عن قِصاص فلا غُرْم؛ لانه لم يفوت على الزوج أو سيَّد أمَّ الولد إلاَّ الاستماعوالقِصاص وكلٌّ منهما لا قيمة له. اهـ النفراوي باختصار.
ولمَّا أنهى الكلام على ما تعلَّق بأحكام الشهادة انتقل يتكلم على أحكام التنازع بين الاثنين سواء في النكاح أو الأموال أو غيرهما فقال رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ
في التنازع
أي في بيان ما يتعلَّق بأحكام التنازع بين الاثنين في شيئ واحد بيديهما أو يد غيرهماوكُلّ منهما يدَّعيه. واعلَم أن هذا الفصل مشتمل على اثنتي عشرة مسألة من مسائل القضاء، وكلٌّ منها مشهورة في باب القضاء، يبغي للحاكم مراجعتها عند الحاجة، أشار رحمه الله تعالى إلى الأولى بقوله:"إِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ شَيْئًا وَلاَ بَيَّنَةَ أَوْ تَساوَتْ بَيَّنَتُهُمَا حَلَفَا وَاقْتَسَمَاهُ فَإِنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِما حُكشمَ لَه فَإِنْ نَكَلَ حَلَفلَ الآخَرُ وَانْتَزَعَه كَانْفِرَادِهِ بِاْبَيَّنَةِ" يعني كما في الرسالة قال: وإذا اختلف المدَّعيان في شيئ بأيديهماوحَلَفا قُسَّمَ بينهما، وإن أقاما بيَّنَتيْن قضى بأعدلهما، فإن استويا حلفا وكان بينهما، قال شارحها: قوله: وإذا اختلف المدَّعيان أي في شيئ واحد يشبه أن يكون