وَإلاَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ أَيْضًا" يعني مَنْ أقرَّ على نفسه بالزَّنا بامراة فصدَّقَتْه في ذلك لزمها الحدّ، وإن لم تصدَّقه فإنه يحدُّ للقذف، ويلزمه أيضًا حدّ الزَّنا لإقراره؛ لان المكلَّف يؤاخذ بإقراره. وفي القوانين: مَنْ قال لامراته زَنَيْتُ بك فعَلَيْه حدُّ الزَّنا وحدُّ القذف وعبارة الدرجير في أقرب المسالك: وإن قال لامْرأة: زَنَيْتِ فقالَتْ: بكَ حُدّت للقذف والزَّنا، وله القيام به وإن عَلِمَه من نفسه كَوضرِثِه اهـ. انظر خليل وشراحه. "وَيُحَدُّ لِلْجَمَاعَةِ حَدًّا وَاحِدًا لِمَنْ قَامَ بِهِ كَتَدَاخُلِهِ قَبْلَ إقَامَتِهِ" يعني إذ قذف قاذف على الجماعة وقام بهواحد منهم بطلب حقه وأقام الغمام على القاذف حدًا سقط القيام لباقي الجماعة، هذا بناء على أن حدَّ القذف حقٌ لله تعالى. وقال الشافعي: يحدّ القاذف لكلواحد منهم، وعلى المذهب يجزئ حد واحد، لتداخل الحدود في بعضها كما تقدم عند قوله: ويتداخل الحدّ قبل إقامته فراجِعْه إن شئت.
قال رحمه الله تعالى: "وَالصَّحِيحُ أَنَّه حَقٌّ لِلْمَقْذوفِ فَيَقِفُ عَلَى طَلَبِهِ وَيَقومُ وَارِثُهُ مَقَامَه وَقِيلَ بَلْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى" يعني أنَّه اختلف قول مالكف ي حدَّ القذف، هل هو حقٌّ للمقذوف أو حقُّ الله تعالى؟ قال العلامة العدوي في حاشية الخرشي: الحاصل أنه قبل بلوغ الغمام حُّ مخلوق وبعده حقّ خالق، وهو أحد قولَيْ مالك. والقول الآخر حقٌّ للخالق فلا عَفْوض ولو قبل البلوغ اهـ .. قال العلاّمة عبد الوهاب الشعراني في الميزان فيما اختَلَفَ فيه الأئمّة: ومن ذلك قول أبي حنيفة: إنّ القذف حقٌّ لله تعالى، فليس للمقذوف أن يسقطه، ولا أن يبرأ منه، وإن مات لم يورث عنه مع قول الشافعي وأحمد في أظهر روايتَيْه أنه حقٌّ للمقذوف فلا يستوفى إلاَّ بمطالبته، وإن له إسقاطه، وأن يبرأ منه، وأنه يورث عنه وبه. قال مالكف ي المشهور عنه: إلا أنه قال: متى رفع إلى السلطان لم يملك المقذوف الإسقاط ثم قال: ووَجْهُ قول مالك في صورة الرفع إلى السلطان ما ورد في الصحيح من وجوب الحكم بإقامة الحدّ إذا رفع إليه، وتحريم قبول الشفاعة في إسقاطه اهـ.