فيه، وذلك إذا لم يكن في جهته من يصلح للقضاء غيره اهـ. قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: واعلم: أن كل ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويف ووعيد فإنَّما هي في حق قضاة الجور العلماء أو الجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم، ففي هذين الصنفين جاء الوعيد. وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم:"من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين"، فقد أورده أكثر الناس في معرض التحذير من القضاء.
وقلا بعض أهل العلم: هذا الحديث دليل على شرف القضاء وعظيم منزلته، وأن المتولي له مجاهد لنفسه وهواه، وهو دليل على فضيلة من قضى بالحقّ؛ إذ جعله ذبيح الحقّ امتحانًا لتعظم له المثوبة امتنانصا؛ فالقاضي لما استسلم لحكم الله، وصبر على مخالفة الأقارب والأباعد في خصوماتها، فلم تأخذه في اللَّه تعالى لومة لائم حتى قادهم إلى مر الحقّ وكلمة العدل، وكفّهم عن دواعي الهوى والعِناد جعل ذبيح الحق للَّه، وبلغ به حال الشهداء الذين لهم الجنة. وقد ولّى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ومعقل بن يسار رضي اللهعنهم القضاء فنِعْم الذابح ونِعْم المذبوح. فالتحذير الوارد من الشرع إنَّما هو عن الظلم لا القضاء؛ فإن الجور في الأحكام واتباع الهوى فيه من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر؛ قال اللَّه تعالى: وأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن: ١٥]. وقال صلى اللهعليه وسلم:"إن أعتى الناس على اللَّه وأبغض الناس إلى الله وأبعد النسا من اللَّه رجل ولاه اللَّه من أمر أمة محمد شيئًا لم يعدل بينهم". وأمَّا قوله صلى الله عليه وسلم:"القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة" قاض عمل بالحقّ في قضائه فهو في الجنة، وقاض علم الحقّ فخان متعمدًا فذلك في النار، وقاضٍ قضى بغير عِلْم واستحيا أن يقول: إني لا أعلَم فهو في النار. وفي رواية عند النسائي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "القضاة ثلاثة: اثنان ف يالنار وواحد في الجنة" رجل عرف الحق فقضى به في الجنة، ورجل عرف الحقّ فلم يقضِ به وجار في الحكم فهو في النارن ورجل لم يعرف الحقّ فقضى للناس