قد وضحوا وبيَّنوا غاية البيان في تلك المسائل، فجزاهم الله عن المسلمين خير جزاء.
قال رحمه الله تعالى:"وَلْيَكُنْ شَدِيدًا فِي دِينِهِ ذَا أَنَاة في حُكْمِهِ يَسْتَشِيرُ الْعُلَمَاءَ وَيَسْتَبْطِنُ مِنْ أَهْلِ الدَّينِ وَالأَمَانَةِ مَنْ يَعْرِفُ أَحْوالَ الشّثهُودِ وَاْخُصُوم وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنَ أَحْوَالِ النَّاسِ وَلاَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إِلاَّ فِي الْعَدْلِ وَالْجَرحِ وَهُوَ فيمَا عَدَاهُمَا شَاهِدٌ" يعني يندب أن يكون القاضي متمسكًا بأمر دينه، مشددصا فيه غير متساهل به، قوي الهمم والنهوض، وأن يكون ذا أناةٍ أي ذا تأخير وتأنَّ في إجراء الأمور غير متعجل في حكمه، وأن يكون مستشيرًا لأهل العلم، ويأخذ بقولهم فيما أراد تنفيذه من الأحكام إذا رأى في ذلك صوابًا. قال خليل: وأحضر العلماءَ أو شاورهم. وأن تكون بطانته ثقة مأمونة من أهل الدَّين والأمانة، وكونهم يعرفون أحوال الشهود والخصوم ليأتوه بخبر ما لا يطَّلع علهي من أحوال الناس، ولا يحكم بِعلْمِه إلاَّ ما عَلِمَه منالعدالة أو الجرحة فقط وهو فيما عداهما شاهد. قال مالك في المدوَّنة: ومن الناس من لا يسأل عنهم وما تطلب منهم التزكية لعدالتهم عند القاضي. قال خليل: ولا يستند لعلمه إلاَّ في التعديل والجرح كالشهرة بذلك أو إقرار الخصم بالعدالة اهـ. فاعلَم أنه إذا علم القاضي بعدالة شاهد أو جرحه بفتح الجيم فإنه يستند لِعِلْمِه، وكذا الشهرة بذلك إلاَّ أن يعلم القاضي منه خلاف ما اشتهر. شهد المزني عند القاضي بكار فقال له: من أنت؟ فقال المزني: صاحب الشافعي فقال القضاي: الاسم اسم عدل ومن يشهد أنك المزني؟ فقال الحاضرون: هو المزني فحكم بشهادته، فقال المزني: سترني القاضي ستره اللَّه تعالى.
قال رحمه الله تعالى:"وَإِذَا نَسِيَ حُكْمًا فَقَامَتْ بِهِ بَيَّنَةُ عِلْمِهِ أَوْ وَجَدَهُ في قِمَطْرِهِ بِخَطهِ أَنْفَذَهُ" قوله: أو وجده في قِمَطْره، القِمَطْر: هو ما يُصان فيه الكتب، والجمع قماطر كما في المصباح. فالمعنى كما قال خليل: وإن شهدا بحكم نسيه أو أنكره أمضه. قال الخرشي: يعني أن القاضي إذا حكم ثم ادَّعى نسيانه أو أنكره من أصله