المشروع فيه، ونحن الآن في فن الفقه فأقول: إن الأحكام الشرعية خمسة: الندب، والوجوب والكراهة، والحرمة، والإباحة، وكلها تعتري البسملة (تارة) تكون مندوبة بالمعنى الأعم الشامل للسنة والمستحب كما في الوضوء والغسل والتيمم، وتسن في الأكل والشراب (وتارة) تكون واجبة كما إذا قلت نذر علي أن أبسمل في هذا الكتاب، وإلا فلا يتعلق بها الوجوب عند المالكية أصالة، بل واجبة عند الشافعية القائلين بأنها جزء من الفاتحة، أو على قول ابن نافع من أئمتنا القائل
بوجوبها في الصلاة. هذا، وقد تجب عند الذبح بشرط الذكر والقدرة، لكن وجوبها عند الذبح ليس وجوبا ذاتيا، بل الواجب في الذبح مطلق ذكر الله لا خصوص البسملة كما في شراح المختصر:(وتارة) يعتريها الكراهة كالإتيان بها في الأمور المكروهة، كعند شرب الدخان، لأنه مكروه على الأظهر في المذهب.
وقيل (١) حرام وعليه المحققون والصوفية، وكالإتيان بها في الوطء المكروه، كأن يطأ الجنب ثانيا قبل غسل فرجه، وكذا يكره الإتيان بها عند المالكية في صلاة الفريضة على المشهور كما سيأتي تفصيله في باب الصلاة إن شاء الله تعالى:(وتارة) يعتريها التحريم، أي وتحرم أيضا في ابتداء المحرمات كالزنا واللواط وشرب الخمر والسرقة والغصب وأكل الحرام وغيرها مما هو ممنوع شرعا،
(١) هذا الذي حكاه بقيل، هو الصحيح في المذهب، بل في المذاهب، والقول بالكراهة وهو الضعيف جدا لأنه انفرد به الأجهوري، وقد علم ضعف ما خالف فيه غيره، وقد قالوا أيضا إنه رجع عنه، وكذلك القول بكراهة البسملة في الفريضة عند المالكية، فقد تساهل المتأخرون بنسبة الكراهة لمالك، وأما الأقدمون المحققون إنما ينسبون لمالك أنها ليست بمطلوبة، لا أنها مكروهة ولا يخفى الفرق بين المكروه وغير المطلوب، ولذا قال ابن عاشر (وكراهة بسملة تعوذا) فقد برأ ابن عاشر نفسه من القول بالكراهة فصحيح المذهب أنها ليست بمطلوبة، لا أنها مكروهة، وإنما القول بالكراهة تساهل من المتأخرين في التعبير. وكذلك القول بأن العود لوطء الزوجة قبل غسل الذكر عند إرادة العود للزوجة إنما الأولى فقط لأنه أنشط للنفس ويزيد قوة الذكر، فلا تطره عنده البسملة، وأما الكراهة فإنما هي إذا أراد أن يطأ زوجته الثانية قبل غسل فرجه من وطء الأولى، وإذا كانت الأخيرة تتأذى بذلك يكون حراما فليحرر في المدارك المعتمدة اهـ. محمد مصطفى الشنقيطي العلوي.