القيام به، فأنا قد بينا أن النفي الأصلي لا علة له؛ وإنما يعرف بالدلالة. وقد لا تساعده دلالة سوى اعتقاده انتفاء دليل الإثبات؛ وانتفاء دليل الإثبات لا يتصور إثباته في الجدل؛ فإنه وإن استقصى في الاحتواء على الاحتمالات، فللخصم أن يقول: وراء ما ذكرته [مدرك: غادرته ولم تعثر عليه؛ فيضطر إلى أن يقول: لم أعثر عليه أنا؛ فان] عثرت أنت عليه، فأبرزه حتى نتكلم عليه. وتضطره المطالبة بالآخرة إلى هذا لا محالة، فليبتدئ بها قبل أن يضطر إليها؛ فإنها أقرب إلى فصل الخصام، وتحصيل المرام. فأي فائدة في عد المدارك المنتشرة، والنهوض لإفسادها: والخصم قد لا يثبت الحكم بها، أو لا يثبته بجميعها؛ وإنما يثبته بواحد ليس منها؟ فلينبهه عليه حتى يعتني به، ويتسغني عما لا يعنيه. فاضماره له نكد محض، يطول المراء، ولا يقطع الخفاء، ولا يكشف عن المقصد الغطاء.
وإلى هذا، ترجع دعوى المعلل: جرى السبب ولا شبهة. إذ يقال: لا أسلم انتفاء الشبهة. فيقول: الشبهة كذا وكذا، وقد انتفت، فيقول: سلمت انتفاء ما ذكرت، ولكن لا أسلم الانحصار فيه، بل وراء ما ذكرت شبهة. فلا طريق إلا أن يكلفه الإظهار حتى يتكلم عليه؛ فليكلفه أولاً: