١٦٤ - واذكر -أيها الرسول- حين كانت جماعة منهم تنهاهم عن هذا المنكر، وتحذرهم منه، فقالت لها جماعة أخرى: لِمَ تنصحون جماعةً اللهُ مُهْلِكها في الدنيا بما ارتكبته من المعاصي، أو معذبها يوم القيامة عذابًا شديدًا؟ قال الناصحون: نصيحتنا لهم معذرة إلى الله بفعل ما أمرنا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يؤاخذنا بترك ذلك، ولعلهم ينتفعون بالموعظة، فيُقْلِعون عما هم فيه من المعصية.
١٦٥ - فلمَّا أعرض العُصاة عما ذَكَّرَهُم به الواعظون، ولم يكفُّوا، أنجينا الذين نهوا عن المنكر من العذاب، وأخذنا الذين ظلموا باعتدائهم بالصيد يوم السبت بعذاب شديد بسبب خروجهم عن طاعة الله وإصرارهم على المعصية.
١٦٦ - فلما تجاوزوا الحد في عصيان الله تكبرًا وعنادًا، ولم يتعظوا، قلنا لهم: أيها العصاة، كونوا قردة أذلاء؛ فكانوا كما أردنا، إنما أَمْرُنا لشيء إذا أردناه أن نقول له: كن، فيكون.
١٦٧ - واذكر -أيها الرسول- إذ أعلم الله إعلامًا صريحًا لا لبس فيه ليُسَلِّطن على اليهود من يذلهم ويهينهم في حياتهم الدنيا إلى يوم القيامة، إن ربك -أيها الرسول- لسريع العقاب لمن عصاه، حتى إنه قد يُعجِّل له العقوبة في الدنيا، وانه لَغفوز لِذُنوب مَن تاب من عباده، رحيم بهم.
١٦٨ - وفرَّقناهم في الأرض، ومزَّقناهم فيها طوائف، بعد أن كانوا مجتمعين، منهم الصالحون القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، ومنهم المقتصدون، ومنهم المسرفون على أنفسهم بالمعاصي، واختبرناهم باليسر والعسر رجاء أن يرجعوا عما هم فيه.
١٦٩ - فجاء من بعد هؤلاء أهل سَوْءٍ يخلفونهم، أخذوا التوراة من أسلافهم، يقرؤونها ولا يعملون بما فيها، يأخذون متاع الدنيا الرديء رشوة لتحريفهم كتاب الله، والحكم بغير ما أنزل فيه، ويُمَنون أنفسهم بأن الله سيغفر لهم ذنوبهم، وإن يأتهم متاع دنيوي زهيد يأخذوه مرة بعد مرة، ألم يأخذ الله العهود والمواثيق على هؤلاء ألا يقولوا على الله إلا الحق دون تحريف أو تبديل؟! ولم يكن تركهم للعمل بالكتاب عن جهل، بل كان على علم، فقد قرأوا ما فيه وعَلِمُوهُ، فذنبهم أشد، والدار الآخرة وما في الدار الآخرة من نعيم دائم خير من ذلك المتاع الزائل للذين يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أفلا يعقل هؤلاء الذين يأخذون هذا المتاع الزهيد أن ما أعده الله للمتقين في الآخرة خير وأبقى؟!
١٧٠ - والذين يتَمَسَّكون بالكتاب، ويعملون بما فيه، ويقيمون الصلاة بالمحافظة على أوقاتها وشروطها وواجباتها وسننها، سيجازيهم الله على أعمالهم، فالله لا يضيع أجرَ مَن عملُه صالح.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إذا نزل عذاب الله على قوم بسبب ذنوبهم ينجو منه من كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فيهم.
• يجب الحذر من عذاب الله؛ فإنه قد يكون رهيبًا في الدنيا، كما فعل سبحانه بطائفة من بني إسرائيل حين مَسَخَهم قردة بسبب تمردهم.
• نعيم الدنيا مهما بدا أنه عظيم فإنه قليل تافه بجانب نعيم الآخرة الدائم.
• أفضل أعمال العبد بعد الإيمان إقامة الصلاة؛ لأنها عمود الأمر.