١٧٩ - ولقد أنشأنا لجهنم كثيرًا من الجن، وكثيرًا من الإنس؛ لعلمنا بأنهم سيعملون بعمل أهلها، لهم قلوب لا يدركون بها ما ينفعهم ولا ما يضرهم، ولهم أعين لا يبصرون بها آيات الله في الأنفس والآفاق فيعتبرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات الله فيتدبرون ما فيها، أولئك المتصفون بهذه الصفات مثل البهائم في فقد العقل، بل هم أكثر بعدًا في الضلال من البهائم، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله واليوم الآخر.
١٨٠ - ولله -سبحانه- الأسماء الحسنى التي تدل على جلاله وكماله، فتوسَّلوا بها إلى الله في طلب ما تريدون وأثنوا عليه بها، واتركوا الذين يميلون عن الحق في هذه الأسماء بجعلها لغير الله، أو نفيها عنه، أو تحريف معناها أو تشبيه غيره بها، سنجزي هؤلاء الذين يميلون بها عن الحقِّ: العذاب المؤلم بما كانوا يعملون.
١٨١ - وممن خَلَقْنا جماعة يهتدون في أنفسهم بالحق، ويدعون إليه غيرهم فيهتدون، ويحكمون به بالعدل فلا يجورون.
١٨٢ - والذين كذبوا بآياتنا، ولم يؤمنوا بها، بل جحدوها، سنفتح لهم أبواب الرزق لا إكرامًا لهم، بل لاستدراجهم حتى يتمادوا فيما هم عليه من الضلال، ثم يصيبهم عذابنا على حين غِرَّة.
١٨٣ - وأؤخر عنهم العقوبة حتى يظنوا أنهم غير معاقبين، فيستمروا على تكذيبهم وكفرهم حتى يُضاعَف عليهم العذاب، إن كيدي قوي، فأظهر لهم الإحسان، وأريد بهم الخذلان.
١٨٤ - أَوَلَم يتفكر هؤلاء المكذبون بآيات الله وبرسوله، فَيُعْمِلُوا عقولهم ليتضح لهم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ليس بمجنون، إنما هو رسول من الله بعثه محذرًا من عذاب الله تحذيرًا بيِّنًا.
١٨٥ - أَوَلَم ينظر هؤلاء نظر اعتبار إلى ملك الله في السماوات والأرض، وينظروا إلى ما خلق الله فيهما من حيوان ونبات وغيرهما، وينظروا في آجالهم التي عسى أن تكون نهايتها قَرُبَتْ فيتوبوا قبل فوات الأوان، فإذا لم يؤمنوا بالقرآن وما فيه من وعد ووعيد فبأي كتاب غيره يؤمنون؟!
١٨٦ - من يخذله الله عن الهداية إلى الحق، ويضله الله عن الصراط المستقيم، فلا هادي له يهديه إليه، ويتركهم الله في ضلالهم وكفرهم يتحيرون لا يهتدون إلى شيء.
١٨٧ - يسألك هؤلاء المكذبون المُتَعنِّتون عن القيامة: أي وقت تقع ويستقر العلم بها؟ قل -يا محمد-: ليس علمها عندي ولا عند غيري، وإنما علمها عند الله وحده يظهرها لوقتها المقدر لها إلا الله، خفي أمر ظهورها على أهل السماوات وأهل الأرض، لا تأتيكم إلا فجأة، يسألونك عن الساعة كأنك حريص على العلم بها، وما علموا أنك لا تسأل عنها لكمال علمك بربك، قل لهم -يا محمد-: إنما علم الساعة عند الله وحده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• خَلَق الله للبشر آلات الإدراك والعلم -القلوب والأعين والآذان- لتحصيل المنافع ودفع المضار.
• الدعاء بأسماء الله الحسنى سبب في إجابة الدعاء، فيُدْعَى في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب، مثل: اللهمَّ تب عَلَيَّ يا تواب.
• التفكر في عظمة السماوات والأرض، والتوصل بهذا التفكر إلى أن الله تعالى هو المستحق للألوهية دون غيره؛ لأنه المنفرد بالصنع.