للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سكان مدن و وصاروا جنودا مقاتلين وإرهابيين بدلا من شهداء، وساميين ذوي روح عدوانية بدلا من "لا - آريين" مستضعفين مسالمين وكان هذا التقيم "النيتشوي" (١). لجميع القيم اليهودية التقليدية، بغية الهدم بدلا من كونه بغية البناء، وفي سبيل الشر بدلا من توجيهه إلى صالح الخير، هو الذي تم توجيهه نحو ذلك الخيال الذي كان يلوح لليهود في الأفق، فيملأ قلوبهم الضيقة بالأمل في أن يجعلوا أنفسهم أبناء "أرض إسرائيل" (٢).

في عهد متأخر. ولقد فشلت جميع العوامل لإذابة الشعب اليهودي ضمن أبناء الوطن الذين يعيشون فيه، ويرجع ذلك إلى الحاجز السيكولوجي بين المسيحيين الغربيين وبين اليهود، بعد أن كان الحاجز القانونى بينهما قد أزيل رسميا.

كان لا يزال هنالك "غيتو" في عالم الغرب الليبرالي في القرن التاسع عشر، فظل المسيحى الغربي يحتجز اليهودي فيه كما ظل اليهودي من جانبه أيضاً يحشر نفسه وينعزل عن مواطنه المسيحي. وكان اليهودي الذي تم تحريره بصورة اسمية يجد نفسه مُقْصَى بالفعل - بحكم الواقع لا بحكم القانون - عن الفرص الإجتماعية الكثيرة، ومجردا من الحقوق التي يتمتع بها رفيقه المسيحي الذي يعترف به رسميا كعضو مساوٍ له في مجتمع متحد. وكان المسيحي يجد نفسه قبالة ماسونية حرة - وهي أيضاً واقعية أكثر منها مقصودة - بين اليهود الذين ظلوا يتوقون إلى المطالبة بالمنافع والخيرات دون الرغبة في الإنسجام، كما كانوا يدعون إلى المساواة الفعلية بين جميع أعضاء الطائفتين كنتيجة للإعتراف الرسمي بالمساواة فيما بينهما.

وفي الحقيقة لقد ظل كل من الطرفين يتصرف حسب مستوى ازدواجى في سلوله: مستوى أرفع للتعامل مع أعضاء مجتمعه الذين من عرقه.


(١) نسبة إلى الفيلسوف الألماني "نيتشه".
(٢) هذا هو التعبير الوارد في المخطوطات اليهودية بشكل متواتر.

<<  <   >  >>