للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأحوال الخاصة التي اكتنفت تأريخهم، فإن مانالهم من الضغط والإضطهاد فيها مضى جعل في قرارة نفوسهم نزوعاً إلى قلب النظام الحاضر وانتقاضا على السلطات التي ناوأتهم. أما الماليون منهم فقد كسبوا ماكسبوا بمهارتهم وحذقهم في أساليب التجارة، وصدق نظرهم في الشئون الإقتصادية وحيازتهم المعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة، فلا لوم عليهم ولا تثريب.

أما السبب الحقيقي فهو:

يعزى تقدم اليهود في الزمن الحديث إلى انتشار مبادئ الثورة الفرنسية في القارة الأوربية. فقد استفادوا من المساواة الإجتماعية وأصبح لهم نفوذ وسيطرة، ولا سيما إذا اعتبرنا قلة عددهم بالنسبة إلى سائر الشعوب.

فهذا التفوق بعد المذلة والمسكنة فيما مضى من الأزمان، هو من أسباب تسيدهم كأرباب المال والتجارة، وإن المساواة الإجتماعية تهدم أنواع السيادة القائمة على اعتبارات سياسية أو جنسية أو نسبية أوغير ذلك ولا تبقى إلا سيادة الثروة، أي حكم الذهب وتحكمه. وهذا بلا ريب من أسباب تلك الكراهية التي نشاهد أثرها في كل مكان.

بالإضافة إلى هذا أنهم عاشوا في عزلة في مجتمع عرف بالغيتو، وقد نجم عن هذه العزلة أنهم اكتسبوا صفات جسمانية ومعنوية خاصة بهم، وأنهم امتازوا بحدة الذهن وحسن التدبير وبعد النظر والإحتياط للطوارئ، وأنهم نزعوا إلى الديمقراطية وحب المساواة. ثم إن اليهودي عموما كان محروما من دخول الجيش والبحرية والنقابات الصناعية والتجارية، فأصبح بطبعية الحال وسيطا - أي تاجرا - وتمرن على طرق المعاملة وترقب السوق والإستفادة من الفرص، ولا سيما أن الكنيسة كانت تحرم الربا، فاتخذ الإتجار "بالمال" عملا له وبرع فيه أيما براعة.

<<  <   >  >>