للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فلما جاء القرن الماضي وأعلن فيه تحرير اليهود في معظم الدول الأوربية وألغيت القيود التي كانوا بها مقيدين لم يلبثوا أن اغتنموا هذه لفرصة السانحة واستخدموا الصفات التي اكتسبوها على مر السنين وبذا بلغوا المقام الرفيع الذى بتبوءونه في تلك البلاد.

فنرى من ذلك أن كراهية اليهود لا ترجع إلى التعصب الديني، وإن يكن له فيها نصيب. ولا هي ترجع إلى التعصب الجنسي (١)، وقد يكون له نصيب أيضاً، بل ترجع إلى الأحوال الإجتماعية التي نجمت عن تحرر اليهود في القرن التاسع عشر.

وإذا قابلنا الشعب اليهودي بسائر الشعوب القديمة وجدناه في مؤخرتها علماً وفناً وحضارة. فآثاره ضئيلة بجانب آثارها. على أنه كان يحمل في صدره عاطفة دينية عظيمة الشأن وهي الإيمان بإله واحد هو إله الإسرائيليين الشعب المختار دون الشعوب. فهذا الإيمان الشديد هو الذي أبقى الشعب اليهودي حيا مميزا واضح الصفات والأخلاق رغم صروف الزمان وتقلبات الأيام عن ثم نفهم كنه العصبية اليهودية، فإنها دينية في المقام الأول.

قال سبينوزا اليهودي وهو من أكبر فلاسفة التأريخ: "لم يكن حب اليهود لوطنهم حبا بسيطا بل كان أشبه شيء بالورع. فهذا الورع - مع ما رافقه من الإحتقار للشعوب الأخرى - كان ينمو يوما فيوما مع ممارسة اليهود لديانتهم حتى أصبح متأصلا في نفوسهم ".

اضطهاد اليهود كان العامل الأساسي لميلاد الصهيونية: إن الفكرة الصهيونية وليدة الكراهية التي مابرحت تظهرها الشعوب الأوربية. و لبيان الإتصال بين النزعتين نستشهد بالتأريخ: ففي سنة ١٨٨٢


(١) تسمى نزعة المناوأة لليهود عند الغربين Antisemitism أي معاداة الساميين، في حين أنها موجهة لليهود دون غيرهم من الشعوب السامية.

<<  <   >  >>