الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، حمدًا كثيرّا طيبًا مباركًا فيه؛ كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمَّان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه رسالة لطيفة في "المرسل" للحفاظ ابن عبد الهادي -رحمه الله- تكلم فيها عن حجية المرسل، بدأها بكلام الإمام الشافعي عن المرسل، ثم استنبط منه عشر فوائد جليلة، ثم استوفى حجة من قال بقبول المرسل مطلقًا؛ بما لا تجده في غير هذه الرسالة، ثم فصل النزاع بين الطرفين بكلمات يسيرة.
وهذه المسألة الكلام فيها مبسوط في كتب مصطلح الحديث وكتب أصول الفقه، وحررها الحافظ صلاح الدين العلائي -رحمه الله- في أول كتاب القيم "جامع التحصيل في أحكام المراسيل"، وهو من أقران ابن عبد الهادي - رحمه الله- ولعله انتفع برسالة ابن عبد الهادي هذه وضمنها في كتابه، فقد نقل كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- واستخرج منه ثماني فوائد "جامع التحصيل"(٣٩ - ٤٦) ونقل أدلة القائلين بقبول المرسل المحتجين به مطلقًا "جامع التحصيل"(ص ٦٥ - ٨٣) لكن العلائي أطال في الرد على ما استدلوا به، وابن عبد الهادي اختصر الرد، وقد أتم العلائي كتابه في شوال سنة ست وأربعين وسبعمائة -كما صرح به في آخر كتابه (ص ٣٢٠) - بعد موت ابن عبد الهادي، والله تعالى أعلم.