للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[فصل]

تكلم شيخنا على قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} (١) وعلى قوله تعالى: {أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} (٢)، وحكى عن بعضهم أن المعنى تخونونها بارتكاب ما حرم عليكم. قال (٣): فجعل الأنفس مفعول يختانون، وجعل الإنسان قد خانها, أي: ظلمها. قال: وهذا فيه نظر؛ فإن كل ذنب يذنبه الإنسان فقد ظلم فيه نفسه، سواء فعله سرًّا أو علانية، وإن كان اختيان النفس هو ظلمها وارتكاب ما حرم عليها {كان كل} (٤) مذنبٍ مختانًا لنفسه؛ وإن جهر بالذنوب، ومعلوم أن هذا اللفظ إنما استعمل في خاص من الذنوب فيما يُفعل سرًّا.

قال (٥): ولفظ الخيانة حيث استعمل (ق ٢٦ - ب) لا يُستعمل إلا فيما خفي عن المخون كالذي يخون أمانته فيخون من ائتمنه إذا كان لا يشاهده.

إلى أن قال (٦): فإذا كان كذلك فالإنسان {كيف} (٤) يخون نفسه، وهو لا يكتمها ما يفعله، ولا يفعله سرًّا عنها كما يخون من لا يشاهده؟

قال: والأشبه -والله أعلم- أن يكون قوله تعالى: {يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} (١)، مثل قوله: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} (٧)، وقد ذهب الكوفيون


(١) سورة النساء، الآية: ١٠٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٨٧.
(٣) "مجموع الفتاوى" (١٤/ ٤٣٨ - ٤٣٩).
(٤) من "مجموع الفتاوى".
(٥) "مجموع الفتاوى" (١٤/ ٤٤٠).
(٦) "مجموع الفتاوى" (١٤/ ٤٤١ - ٤٤٤).
(٧) سورة البقرة، الآية: ١٣٠.

<<  <   >  >>