وقوم قبلوا المرسل وبالغ فيه بعضهم حتى قالوا: إنه أقوى من المتصل، وهذا مذهب عيسى بن أبان.
قالوا: لأن المرسل قد قطع بشهادته على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والواصل قد أحال على الواسطة، وعدالة الراوي وأمانته تمنعه أن يشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبرٍ يكون راويه غير ثقة ولا حجة، فلو لم يُقبل مثل هذا المرسل لكان ذلك قدحًا في الراوي المعلوم الثقة والأمانة، وهو غير جائز.
قالوا: وقد قبلت الأمة مثل رواية ابن عباس وابن الزبير، ونحوهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أن أكثرها مرسلة، والذي شاهده ابن عباس أو سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاهًا بالنسبة إلى ما رواه قليل جدًّا، حتى قيل: إنه لم يبلغ العشرين، وقد قبلت الأمة مرسله، وعملت به، والاحتمال الذي ذكرتموه في مرسل التابعي بعينه موجود في محل الوفاق.
قالوا: ولأنا لو رددنا المرسل لوجب رد ما أسنده المرسل؛ لأنه إما جاز أن يقطع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما لا يعلم أنه حق كان ذلك قدحًا في عدالته، وهو يبطل روايته مطلقًا، فإن جوزتم عليه ذلك بطلت روايته، وإن لم تجوزوا عليه ذلك لزم قبول مرسله ولا انفكاك عن واحدٍ من الأمرين، وقد اتفقت الأمة على قبول ما أسنده؛ وذلك يستلزم قبول ما أرسله من الطريق الذي بيناه.
قالوا: والذي يدل على ما قلنا أن الأعمش قال: قلت لإبراهيم: إذا
(١) ذكر الحافظ العلائي معظم ما استدل به المحتجون بالمرسل مطلقًا في كتابه "جامع التحصيل" (ص ٧١ - ٨٨) وأجاب عنه.