فأما حديث ابن عمر فقد فقيل: إن قوله: "وليقطعهما" من كلام نافع، كذا رويناه في "أمالي أبي القاسم بن بشران" بإسناد صحيح أن نافعًا قال بعد روايته للحديث: "وليقطع الخفين أسفل من الكعبين". وروى ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما" وكان ابن عمر يفتي بقطعهما. قالت صفية: فلما أخبرته بهذا رجع وروى أبو حفص في "شرحه" بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف "أنه طاف وعليه خفان، فقال له عمر: والخفان مع القباء؟ قال: قد لبستهما مع من هو خير منك -يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخًا، فإن عمرو بن دينار روى الحديثين جميعًا وقال: انظروا أيهما كان قبل. قال الدارقطني: قال أبو بكر النيسابوري: حديث ابن عمر قبل؛ لأنه قد جاء في بعض رواياته قال: "نادى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو بالمسجد- يعني بالمدينة" وكأنه كان قبل الإحرام. وفي حديث ابن عباس يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين" فيدل على تأخيره على حديث ابن عمر فيكون ناسخًا له؛ لأنه لو كان القطع واجبًا لبينه للناس؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. المفهوم من إطلاق لبسهما لبسهما على حالهما من غير قطع، والأولى قطعهما عملًا بالحديث الصحيح، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط. انتهى كلامه، وهو في "المغني" (٣/ ٢٧٥) وصوبت منه عدة أخطاء كانت في كتاب "التنقيح" المطبوع.