ولولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره لأجل أن لا نفت النفي الكائن مع لو فصار ثبوتاً، وإلا فحكم لو لم ينتقض، لقوله - صلى الله عليه وسلم - «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» يدل على انتفاء الأمر لوجود المشقة المرتبة على تقدير ورود الأمر.
الأصل فيما تدخل عليه لو مما هو ثابت في ظاهر اللفظ أن يكون منفياً في المعنى، فلما كان منفياً في المعنى (ولا) حرف نفي، والنفي إذا دخل على النفي صار ثبوتاً فلا جرم كان اسم لولا وجوداً؛ فقلنا تدل على انتفاء الشيء الذي هو جوابها لوجود غيره الذي هو اسمها، ونفي جواب لولا يحكم على معناه بالنفي، وإن كان ظاهر اللفظ يقتضي ثبوته، فهذا تقرير كون حكم (لو) لم ينتقض.
وقولي على تقدير ورود الأمر: قصدت به التنبيه على أن قول النحاة لوجود غيره ليس هو كما يفهمه أكثر الناس: أن المراد وجوده بالفعل كما في قول عمر رضي الله عنه «لولا علي لهلك عمر»(١) فعليّ موجود حقيقة، والوجود في لولا أعم من كونه واقعاً، فإن المشقة في الحديث ليست واقعة ولا تقع، وإنما هي واقعة على تقدير ورود الأمر، وذلك التقدير لم يقع ولا يقع، فقصدت إفهام هذا العموم.
و (بل) لإبطال الحكم عن الأول وإيجابه للثاني نحو جاء زيد بل عمرو، وعكسها (لا) نحو جاء زيد لا عمرو، ولكن للاستدراك بعد الجحد نحو ما جاءني زيد لكن عمرو، ولا بد من أن يتقدمها النفي في المفردات، أو يحصل تناقض بين المركبات.
أصل (بل) لإبطال الحكم عن الأول، وقد تستعمل مجازاً للإضراب عن الحديث في الجمل، فهي لإبطال المخبر عنه، وقد تستعمل لقطع الخبر وإبطاله مجازاً لما بين المخبر والخبر من التعلق، والارتباط كقوله تعالى «بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم
(١) أي لولا علم علي، وكان رضي الله عنه من أكابر الصحابة لقد كان عمر يستفتيه. إنظر ذلك مفصلاً في مقدمة ابن القيم في كتابه «أعلام الموقعين» بتحقيقنا ط مكتبة الكليات الأزهرية.