عن حكم العقل أو لم يعمل بعض الصحابة أو السلف على خلافه مع الاطلاع عليه، أو كان مما لا تعم به البلوى، والآخر ليس كذلك.
الناقل عن البراءة الأصلية أرجح لأنه مقصود بعثة الرسل، وأما استصحاب حكم العقل فيكفي فيه حكم العقل فيقدم الناقل كما يقدم المنشئ على المؤكد، وعمل الأكابر على خلاف الخبر مع اطلاعهم عليه يدل على اطلاعهم على نسخه، فالسالم عن ذلك مقدم عليه، أما غذا لم يطلع جاز أن يكون تركه لعدم اطلاعه عليه فيسقط الترجيح، والذي تعم به البلوى اختلف العلماء في قبوله: منعه الحنفية من أخبارا لآحاد والكلام فيه فيضعف الخلاف في قبوله، فالسالم عن هذا الخلاف مقدم.
[الفصل الرابع في ترجيح الأقيسة]
قال الباجي يترجح أحد القياسين على الآخر بالنص على علته أو لأنه يعود على
أصله بالتخصيص أو علته مطردة منعكسة، أو شهد لها أصول كثيرة، أو يكون أحد القياسين فرعه من جنس أصله، أو علته متعدية أو يعم فروعها أو هي أعم أو هي منتزعة من أصل منصوص عليه أو أقل أوصافاً والقياس الآخر ليس كذلك.
النص على العلة يدل على العلية أكثر من الاستنباط، فإن اجتهادنا يحتمل الخطأ، والنصر صواب جزماً، ومثال ما يعود على أصله بالتخصيص جعلنا علة منع بيع الحيوان باللحم معللاً بالمزابنة وهي بيع المجهول بالعلوم من جنسه (١) فاقتضى ذلك حمل الحديث على الحيوان الذي يقصد منه اللحم، فخرج بسبب هذه العلة أكثر الحيوانات وبطل حكم النهي فيها، وكذلك تعليل منع بيع الحاضر للبادي، بأن الأعيان على أهل البادية تقوم بغير مال كالحطب والسمن وغيرهما، فاقتضى هذا التعليل أن يخرج الأعيان التي اشتراها البدوي، وإن نصحه فيها متعين وإعانته،
(١) المزانية: مثل بيع الرطب على رؤوس الهخل بالتمر كيلاً، وكذلك كل ثمر بيع على شجرة بثمر كيلاً وأصله من الزبن الذي هو الدفع وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن المزابنة ورخص في العرايا لأن التمر لا يجوز غلا مثلاً بمثل وهذا بيع مجازفة لا بد أن يكون أحد المتبايعين مغبوناً فيه.