بخلاف القسم الأول فالتحامل عليه فيه بتركه مع الحضري ولا ينصح، فالعلة التي لا تعكر على أصلها بالبطلان أولى، والعلة المتعدية أولى من القاصرة، غير أن هذا لا يستقيم من جهة أن القاصرة لا قياس فيها، والكلام إنما هو هو في ترجيح الأقيسة، فإن كان في ترجيح العلل من غير قياس صح، والعلل التي تعم فروعها تقدم بسبب أنها إذا لم تعم تكون بقية الفروع معللة بعلة أخرى، وتعليل الأحكام المستوية بالعلل المختلفة مختلف فيه والمتفق عليه أولى، والتي هي أعم يكون فائدتها أكثر فتقدم، والمنتزعة من أصل منصوص عليه مقدمة على ما أخذ من أصل اتفق عليه الخصمان فقط، والعلة إذا قلت أوصافها أو كانت ذات وصف واحد كانت مقدمة لأن المركب يسرع غليه العدم بطريقين من جهة عدم كل واحد من أوصافه، وما كثرت شروطه كان مرجوحاً.
قال الإمام أو يكون أحد القياسين متفقاً على علته أو أقل خلافاً أو بعض مقدماته يقينية أو علته وصف حقيقي، ويترجح التقليل بالحكمة على الدم والإضافي والحكم الشرعي والتقديري، والتعليل بالعدم أولى من التقديري، وتعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجودي أولى من العدمي بالعدمي ومن العدمي بالوجودي ومن الوجودي بالعدمي، لأن التعليل بالعدم استلزم تقدير الوجود وبالحكم الشرعي أولى من التقديري، لكون التقديري على خلاف الأصل، والقياس الذي يكون ثبوت الحكم في أصله أقوى أو بالإجماع أو بالتواتر أقوى مما ليس كذلك.
الوصف الحقيقي كالإسكار، والعدمي كقولنا غير مستحق أو عدوان فإنه سلب محض، والإضافي نحو قولنا البنوة مقدمة على الأبوة وهما علة الميراث، وهما إضافيتان ذهنيتان لا وجود لهما في الأعيان، وتقدم أن الحكمة هي علة علية العلة، كإتلاف المال في السرقة، واختلاط الأنساب في الزنا، فهي أولى من العدم الصرف، والحكم الشرعي كتعليل منع البيع بالنجاسة والتقديري كتعليل ثبوت الولاء للمعتق عنه بتقدير الملك له، وتوريث الدية في الخطأ