والجواب: أن عدم الإجزاء يرجع إلى إيجاب الركعة الثانية، ونحن قد سلمنا أنه انتسخ، إنّما نتكلم في الركعة الباقية، وأما تأخير التشهد، فالتشهد لم يشرع عقيب ركعتين، ولا ركعة بل آخر الصلاة، وما زال يجب آخر الصلاة، فما حصل نسخ، وكذلك إجزاء الصلاة مع المنسوخة كان تابعاً لوجوبها، ونحن نسلم أن وجوبها نسخ، إنّما النزاع فيما بقي.
[الفصل الخامس فيما يعرف به النسخ]
يعرف النسخ بالنص على الرفع أو على ثبوت النقيض أو الضد، ويعلم التاريخ بالنص على التأخير أو السنة أو الغزوة أو الهجرة، ويعلم نسبة ذلك إلى زمان الحكم أو برواية من مات قبل رواية الحكم الأخير، قال القاضي عبد الجبار قول الصحابي في الخبرين المتواترين هذا قبل ذلك مقبول، وإن لم يقبل قوله في نسخ المعلوم، كثبوت الإحصان بشهادة اثنين بخلاف الرجم وشهادة النساء في الولادة دون النسب، وقول
الإمام فخر الدين قول الصحابي هذا منسوخ لا يقبل الجواز أن يكون اجتهاداً منه، وقال الكرخي إن قال إذا نسخ ذلك لم يقبل، وإن قال هذا منسوخ قبل لأنه لم يخل للاجتهاد مجالاً فيكون قاطعاً به، وضعفه الإمام.
متى ثبت نقيض الشيء أو ضده انتفى فكان ذلك دليل الرفع، وأما النص على السنة بأن يقول كان هذا التحريم سنة خمس ونعلم أن الإباحة سنة سبع، فتكون الإباحة ناسخة لتأخير تاريخها، وإن قال في غزوة كذا كان ذلك كتعيين السنة، فإن الغزوات معلومة السنين وينظر نسبة ذلك لزمان الحكم فينسخ المتأخر المتقدم وكذلك إذا قال قيل الهجرة أو بعدها، فهو كتعيين السنة أيضاً، ونظير قوله هذا منسوخ فقبل، لأنه لم يخل للاجتهاد مجالاً. قولهم في خبر المرسل، قال بعضهم هو أقوى من المسند، لأنه إذا بين المسند ورجاله فقد جعل لك مجالاً في النظر في عدالتهم، أما إذا سكت عنه فقد التزمه في ذمته فهو أقوى في العدالة ممن لم يلتزم به.