حكم العقل بأمر على أمر: إما غير جازم والاحتمالات إما مستوية فهو الشك، أو بعضها راجح والراجح هو الظن والمرجوح وهم، والجازم إما غير مطابق وهو الجهل المركب، أو مطابق وهو إما لغير موجب وهو التقليد أو لموجب وهو إما عقل وده فإن
استغنى عن الكسب فهو البديهي وإلا فهو النظري، أو حس وحده وهو المسحسوسات الخمس أو مركب منهما وهو المتواترات والتجريبات والحسيات والوجدانيات أشبه بالمحسوسات، فتندرج معها في الحكم.
الشك اسم لاحتمالين فأكثر مستوية، فسماه مركب ومسمى الظن والوهم بسيط، لأن الظن اسم للاحتمال الراجح والوهم للاحتمال المرجوح، والجهل المركب سمي بذلك لتركبه من جهلين؛ فإنه يجهل ويجهل أنه يجهل كأرباب البدع والأهواء، فإنهم يجهلون الحق في نفس الأمر، وإذا قيل لهم أنتم عالمون أو جاهلون؟ قالوا عالمون، فقد جهلوا جهلهم، فاجتمع لهم جهلان فيه فسمي جهلاً مركباً. وقد جمع المتنبي ثلاث جهالات في بيت حيث قال:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهله ... ويجهل علمي أنه بي جاهل
وكذلك كل من اعتقد في رجل أنه صالح وهو طالح، أو طالح وهو صالح وكل من اعتقد شيئاً على خلاف ما هو عليه، والجهل المركب يقابله الجهل البسيط، وهو أن يجهل ويعلم أنه يجهل، كما إذا قيل له أنت تعلم عدد شعر رأسك أو تجهله؟ يقول أجهله، فإذا قيل له فأنت تعلم أنك جاهل بذلك؟ يقول نعم. وهذه العبارة لا تجمع الجهل المركب كله؛ فقد يدخل الجهل المركب في التصورات، فإن من تصور الحقائق على خلاف ما هي عليه فهو جاهل جهلاً مركباً، كمن يتصور الإنسان أنه الحيوان