والتقيد والإطلاق أمران اعتباريان، فقد يكون المقيد مطلقاً بالنسبة إلى قيد آخر كالرقبة مقيدة بالملك مطلقة بالنسبة إلى الأيمان، وقد يكون المطلق مقيداً كالرقبة مطلقة وهي مقيدة بالرق، والحاصل أن كلّ حقيقة اعتبرت من حيث هي هي فهي مطلقة، وإن اعتبرت مضافة إلى غيرها فهي مقيدة.
ضابط الإطلاق أنك تقتصر على مسمى اللفظة المفردة، نحو رقبة أو إنسان أو حيوان، ونحو ذلك من الألفاظ المفردة، فهذه كلها مطلقات، ومتى زدت على مدلول اللفظة مدلولاً آخر بلفظ أو بغير لفظ صار مقيداً كقولك رقبة مؤمنة، أو إنسان صالح، أو حيوان ناطق، وهذه المطلقات هي في أنفسها مقيدات إذا أخذت مسمياتها بالنسبة إلى ألفاظ أخر، فإن الرقبة هي إنسان مملوك وهذا مقيد، والإنسان حيوان ناطق وهذا مقيد، والحيوان جسم حساس وهذا مقيد، فصار التقييد والإطلاق أمرين نسبيين بحسب ما ينسب إليه من الألفاظ، فرب مطلق مقيد، ورب مقيد مطلق.
ووقوعه في الشرع على أربعة أقسام متفق الحكم والسبب كإطلاق الغنم في حديث وتقييدها في آخر بالسوم، ومختلف الحكم والسبب كتقييد الشهادة بالعدالة وإطلاق الرقبة في الظهار، ومتحد الحكم مختلف السبب كالعتق مقيد في القتل مطلق في الظهار، ومختلف الحكم متحد السبب كتقييد الوضوء بالمرافق وإطلاق التيمم والسبب واحد هو الحدث، فالأول يحمل فيه المطلق على القيد على الخلاف في دلالة المفهوم، وهو حجة عند مالك رحمه الله والثاني لا يحمل فيه إجماعاً. والثالث لا يحمل فيه المطلق على المقيد عند أكثر أصحابنا والحنفية خلافاً لأكثر الشافعية، لأن الأصل في اختلاف الأسباب اختلاف الأحكام، فيقتضي أحدهما التقييد والآخر الإطلاق. والرابع فيه خلاف.
سبب وجوب الزكاة واحد وهو نعمة الملك، وهذا المثال عليه إشكال من جهة أن مطلقه عموم، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«في كلّ أربعين شاة شاة» ومتى