الأحكام التي على ألسنة المجتهدين وظنونهم متفق عليها وأنها أحكام الله تعالى، والنزاع في ثبوت أمر آخر في نفس الأمر غيرها فما أقاموا فيه الدليل لا نزاع فيه وما فيه النزاع لم يقيموا الدليل عليه، فلا ينبغي أن يقيموا الدليل على أن هذه أحكام الله تعالى، بل يقيمون الدليل على أنه ليس لله تعالى حكم غيرها فإنه محل النزاع، والقائلون بالتصويب يقولون إن الحكم إنّما يتبع المصلحة الخالصة أو الراجحة في مواقع الإجماع أما في محل الاختلاف فلا يسلمون ذلك، فهذا منع حسن أيضاً على دليل المخطئة.
[الفصل السابع في نقض الاجتهاد]
أما المجتهد في نفسه فلو تزوج امرأة علق طلاقها الثلاث على الملك بالاجتهاد فإن حكم به حاكم ثم تغير اجتهاده لم ينقض، وإن لم يحكم له نقض ولم يجز له إمساك المرأة وأما العامي إذا فعل ذلك بقول المفتي ثم تغير اجتهاده فالصحيح أنه يجب عليه المفارقة قاله الإمام، وكل حكم اتصل به قضاء القاضي استقر إلاّ أن يكون ذلك القضاء مِمّا ينقض في نفسه.
حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يعين ذلك الحكم الذي حكم به الحاكم، فإن الحاكم نائب الله تعالى في مسائل الخلاف، فإذا أنشأ حكماً في مسائل الاجتهاد كان ذلك كالنص الوارد في خصوص تلك الواقعة من تلك القاعدة العامة، والدليل الخاص مقدم على
العام في الصورة التي تناولها الخاص كما تقرر في أصول الفقه، وقد بسطت ذلك في كتاب (الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي والإمام) إذا لم يحكم بالاجتهاد الأوّل حاكم نقض لأن تغير الاجتهاد يصيره كالمنسوخ والمنسوخ لا عبرة به، وكذلك تجب مفارقة المرأة من العامي إذا تغير اجتهاد من أفتاه لأن اجتهاده نسخ، وقيل لا يجب لأن الثاني اجتهاد أيضاً، وليس إبطال أحدهما بالآخر أولى من لاعكس فلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، نعم لو قطع بخطأ الأوّل وجبت المفارقة، والحكم الذي ينقض في نفسه ولا يمنع النقض هو ما خالف أحد أمور أربعة: الإجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلي.