انفردت إحدى العلتين وهي البكارة ثبت الجبر كالمعنسة عل الخلاف، أو الصغر ثبت الجبر كالثيب الصغيرة، أو اجتمعا معاً ثبت الجبر كالبكر الصغيرة، فإذا ورد السائل الفرق يقول القائس: فرقك معنى مناسب هو علة أخرى في الأصل مع المشترك بين صورة الأصل وصورة النزاع، وقد اجتمعنا معاً في الأصل، فترتب الحكم وانفرد المشترك في صورة النزاع وهو إحدى العلتين، فترتب الحكم عليه، ولا يضر عدم الفارق في صورة النزاع، لأن عدم إحدى العلتين لا يمنع ترتب الحكم، فلذلك قال إن سماع الفرق مبني على أن الحكم لا يعلل بعلتين. غير أن هنا إشكالاً وهو أن الجمهور على جواز تعليل الحكم بعلتين، والجمهور على سماع الفرق فيبطل قوله إن سماع الفرق ينافي تعليل الحكم بعلتين.
والجواب: أن الفرق قد يصلح للاستقلال بالعلية، كما نقول في الصغر مع البكارة، وقد لا يصلح للاستقلال، كما يفرق بزيادة المشقة ومزيد الغرر من باب صفة الصفة التي لا تصلح للتعليل المستقل، فما لا يصلح للاستقلال يمكن أن يسمع مع جواز التعليل بعلتين لأن قول السائل السابق حينئذ لا يتجه وهو الذي قال به الجمهور، وما يصلح للاستقلال لا يمكن إيراده إذا جوزنا التعليل بعلتين، فهذا تلخيص هذا الموضع.
[الفصل الخامس في تعدد العلل]
يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين منصوصتين خلافاً لبعضهم نحو وجوب الوضوء على من بال ولامس ولا يجوز بمستنبطتين لأن الأصل عدم الاستقلال فيجعلان علة واحدة.
حجة الجواز في المنصوصتين: أن لصاحب الشرع أن يربط الحكم بعلة وبغير علة ووبعلتين فأكثر، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ثم إن المصالح قد تتقاضى ذلك في وصفين كما قلنا في الصغر والبكارة، فينص الشرع عليهمان وعلى استقلال كلّ واحد منهما تحصيلاً لتلك المصلحة، وتكثيراً لها.
حجة المنع: أنه لو علل بعلتين لاجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان وهو
محال، وإلا لاستغنى بكل واحد منهما على كلّ واحد منهما فيلزم،