كان بالنسبة إلينا مظنوناً لأنه في زماننا خبر واحد، وأما من سمع هذا الحديث من الصحابة - رضوان الله عليهم - فهو عندهم مقطوع لا مظنون، لأن التواتر لا يزيد على المباشرة.
حجة الكرخي أن المظنون يقصر على المقطوع فلا يعتمد عليه، وكذلك تخصيص القرآن بالقياس.
وجوابه: أن المقطوع في سنده قد يكون مظنوناً في دلالته، كما تقول في عمومات القرآن مقطوعة السند مظنونة الدلالة، فقد اشتركا في الظن، والبيان أخص، والأخص أقوى من الأعم، فما قدمنا إلاّ ما هو أقوى لا ما هو أضعف.
[الفصل الخامس في ورقته]
من جوز تكليف ما لا يطاق، جوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وتأخيره عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة جائز عندنا، سواء كان الخطاب ظاهراً وأريد خلافه، أو لم يكن، خلافاً لجمهور المعتزلة إلاّ في النسخ، لأنهم وافقوا على النسخ، ومنع أبو الحسين منه فيما له ظاهر أريد خلافه، وأوجب تقديم البيان الإجمالي دون التفصيلي، بأن يقول هذا الظاهر ليس مراداً.
مثال هذه المسألة أن يقول الله تعالى في رمضان:«فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين»(١) فرمضان وقت الخطاب، وأول صفر هو وقت الحاجة، فلا يجوز تأخيره عن المحرم إلاّ إذا جوزنا تكليف ما لا يطلق، ومذهبنا لا يحيله، بهذا العام الخصوص، وأن لا نقتل النسوان والرهبان وغيرهم، ومع ذلك نقتلهم لعدم البيان، ونأثم لعدم الإذن في نفس الأمر في قتلهم، فيكون هذا تكليف ما لا يطاق، وهو أن نأثم بما لا نعلمه.