وحجة عدم الخطاب أنه لو أمر بالفروع لأمر بها إما حالة الكفر وهو خلاف الإجماع فإن الأمة مجمعة على أنه لا يقال صل وأنت كافر، وإما بعد الكفر، وهو أيضاً خلاف الإجماع لقوله عليه الصلاة والسلام «الإسلام يجبُّ ما قبله» .
وجواب هذه النكتة أن زمن الكفر ظرف للتكليف لا لوقوع المكلف به، كما نقول المحدث مأمور بالصلاة إجماعاً ومعناه أن زمن الحدث ظرف للخطاب للصلاة والتكليف بها لا لإيقاع الصلاة، فلا نقول له صل وأنت محدث، بل يجب عليك أن تزيل الحدث وتصلي، وأنت الآن مكلف بذلك، كذلك نقول للكافر أنت الآن مكلف بإزالة الكفر ثم إيقاع الفروع، لا أنك مكلف بإيقاع الفروع في زمن الكفر؛ فزمن الكفر ظرف للتكليف لا لوقوع المكلف به، فقوله أما أن يكلف حالة الكفر أو بعده، قلنا حالة الكفر قوله لا يصح منه، قلنا لم ندَّع أن ذلك الزمان ظرف لإيقاع المكلف به حتى نلزم صحته، أو نقول بعده على سبيل التسليم والحديث حجة على الخصم، لأن الجب القطع، وإنما يقطع ما هو متصل، فهذا يدل على أنه لولا القاطع اتصل التكليف فبقي التكليف مستمراً.
وأما قولي: فائدة الخلاف ترجع إلى مضاعفة العذاب في الآخرة، وعيّنه الإمام أو إلى غير ذلك، فمعناه أن الإمام فخر الدين أجاب عن هذه النكتة المتقدمة بأن فائدة التكليف إنما هو مضاعفة العذاب في الآخرة لا الوجوب قبل ولا بعد، واكتفى بهذا الجواب، وهو لا يتم له بسبب أن العقاب في الدار الآخرة إنما يتضاعف ويعذب الكافر عذابين أحدهما: وهو الأعظم لأجل الكفر، والثاني للفروع، إذا قلنا بتقدم التكليف في الدنيا، أما عقابه في الآخرة من غير تقديم تكليف فغير معقول، فإذا تعين تقدم التكليف فيتعين أن نختار أحد القسمين، وهو إما حالة الكفر أو بعد؛ ويذكر الجواب مفصلاً محرراً كما تقدم، فظهر أن جوابه - رحمه الله - غير تام.
وأما أن فائدة الخلاف ترجع على غير مضاعفة العذاب فقد ذكرت وجوهاً كثيرة في شرح المحصول، وأذكر منها هنا نبذاً أحدها تيسير الإسلام عليه، فإنه إذا كان مخاطباً وهو خير النفس بفعل الخيرات من الصدقات وأنواع البر وغيرها